الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ }

وقد يأتي في أذهان البعض ما يُشوِّه عقائد الإيمان، فيقول: كيف يدخل فلانُ النار وهو مَنْ أهدى البشريةَ تلك المخترعات الهائلة التي غيَّرت مسارات الحضارة، وأسعدتْ الناس؟ كيف يُعذِّب الله هؤلاء الذين بذلوا الجهد ليطوروا من العلوم والفنون، أيعذبهم لمجرد أنهم كفار؟ وأقول: نعم، يعذبهم الله على الرغم من أنه سبحانه لا يضيع عنده أَجْرُ مَنْ أحسنَ عملاً وهو قادر على أنْ يَجزيهم في الدنيا بما ينالونه من مجد وشهرة وثروة وهم قد عملوا من أجل ذلك. وانطبق عليه قوله: " عملتَ لِيُقال وقد قِيل " وأخذوا أجورهم مما عَمِلوا لهم ذلك أنهم عملوا ولم يكُنْ في بالهم الله. وهكذا يصور القرآن مسألة الجزاء، فالواحد من هؤلاء الكفار إذا كان يَلْقى العذاب الغليظ على الكفر فالحق لا يغمطه أجر ما فعل من خير فينال ذلك في الدنيا ويستمتع بإطلاق اسمه على اختراعه أو اكتشافه. ونعلم جميعاً قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " أما في الآخرة فالعذاب جزاؤه لأنه عاش كافراً بالله. وهذه الأعمال التي صنعوها في الدنيا، وظنُّوا أنها أعمالٌ إنسانية وأعمالُ بِرٍّ تأتي يوم القيامة وهي رماد تهبُّ عليه الريح الشديدة في يوم عاصف لتذره بعيداً: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } [إبراهيم: 18]. ولن تكون لديهم عندئذ فرصة لاستئناف الحياة ليستفيدوا من التجربة بل أمامهم وحولهم العذاب لسان حال كل منهم يقول:رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً.. } [المؤمنون: 99-100]. لكنه لو رُدَّ إلى الحياة لَعَاد إلى ما نُهِي عنه، مِصْداقاً لقول الحق سبحانه:وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنْقَلَباً } [الكهف: 36]. وهذا الكفر هو الضلال البعيد الذي جعل كل أعمالهم التي ظنُّوا أنها صالحة مجردَ أعمال مُحْبطة فضلُّوا بالكفر عن الطريق المُوصِّل إلى خير الآخرة. ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ... }.