الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }

وقوله: { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ.. } [إبراهيم: 10] هو لوْن من الخطاب الذي لا يترك لمَنْ توجه إليه الكلام أنْ يُجيب إلا كما تريد أنت. وأنت لا تفعل ذلك إلا إذا كُنْتَ واثقاً من أن مَنْ تُوجِّه إليه الكلام سيجيب - إنِ استحضرَ الحق في ذهنه - كما تريد أنت. ولذلك لم يَأْتِ الخطاب هنا بقوله " لا شك في الله " وبذلك يكون الكلام خبرياً، وقد يقول واحد: إن هذا الكلام كاذب، ولكن على الرغم من أن المستمعين من الكفار، إلا أنه يأتي بالقضية في شكل تساؤل يستأمنهم على أنهم سوف يُديرون الكلام في رؤوسهم، وسيعثرون على الإجابة التي لا يمكن أنْ ينكرونها وهي " ليس في الله شك ". وهكذا نجد أن القائل قد سكتَ عن إعلانهم الكفرَ أولاً وجاء لهم بالتساؤل الذي سيجيبون عليه " ليس في الله شك " ، ويأتي لهم بالدليل الذي لا يحتمل أيَّ شكٍّ، وهو قوله الحق: { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [إبراهيم: 10]. والفاطر هو الذي خلق خَلْقاً على غير مثال سابق، مثلها مثل قوله الحق:بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [البقرة: 117]. فلا أحدَ قادرٌ على أن يخلقَ مثل السماوات والأرض وهي مخلوقة على غير مثال سابق. وسبحانه هو مَنْ شاء أن يكون الإنسان سيداً لكل الكائنات المخلوقة، وأن تكون تلك الكائنات مُسخَّرة لخدمته. وقد يتخيّل الإنسان أن خَلْقه أكبر من خَلْق السماوات والأرض لذلك يُنبِّهه الحق سبحانه:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ.. } [غافر: 57]. ولو نظرتَ إلى الشمس وسألتَ نفسك كم من الأجيال قد استمتعوا بدفْئِها واستفادوا منها فمن المؤكَّد أنك لن تعرف عدد الأجيال لأن الشمس مخلوقة من قَبْل خَلْق البشر، وكل إنسان يستمتع بالشمس ويستفيد منها عددَ سنوات حياته، ثم يذهب إلى الموت. ونجد المفسر الجليل الفخر الرازي يضرب المَثل الذي لا يمكن أن يُنكِره أحد، ويدلُّ على الفطرة في الإيمان، ويُوضِّح أن الحق سبحانه لم يُمهل الإنسان إلى أنْ ينضجَ عقله ليشعر بضرورة الإيمان، ويضرب المثل بطفل صغير تسلَّل، وضرب شقيقه هنا لا بُدَّ أن يلتفتَ الشقيق ليكتشف مَنِ الذي ضربه لأن الإنسان من البداية يعلم أنْ لا شيءَ يحدث إلا وله فاعل. وهَبْ أن طفلاً جاء ليجد شقيقه جالساً على كرسي، وهو يريد أن يجلس على نفس الكرسي هنا سيقوم الطفل بشدِّ وجَذْب أخيه من على الكرسي ليجلس هو، وكأنه اكتشف بالفطرة أن اثنين لا يمكن أن يستوعبهما حَيِّز واحد. وهكذا يتوصل الإنسان بالفطرة إلى معرفة أن هناك خالقاً أوحد. وهكذا نجد قوله الحق: { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [إبراهيم: 10]. هو الآية الكونية الواسعة.

السابقالتالي
2