الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ }

هكذا يستهل الحق سبحانه هذه السورة بالحروف المقطعة " ألف " " لام " " راء " ، وسبق أن قلنا: إنها حروف توقيفية بلَّغها رسول الله لنا كما سمعها من جبريل عليه السلام. إلا أن المُلاحَظ أن هذه الحروف التوقيفية المُقطَعة لم تَأْتِ وحدها في هذه السورة كآية منفصلة مثل قوله في أول سورة ق:قۤ } [ق: 1]. وهي آية بمفردها، وكما جاء في غير ذلك من السور بحروف مقطعة وأثبتها كآيات. وهنا تأتي الحروف التوقيفية المقطعة كجزء من الآية. ويقول الحق سبحانه: { الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ.. } [إبراهيم: 1]. كلمة " كتاب " إذا أطلقت انصرف معناها إلى القرآن فهو يُسمَّى كتاباً ويُسمَّى قرآناً، ويُسمَّى تنزيلاً، وله أسماء كثيرة. وكلمة " كتاب " تدل على أنه مكتوب، وكلمة " قرآن " تدل على أنه مقروء، وهذان الاسمان هما العُمْدة في أسماء القرآن لأنه كتاب مكتوب ومقروء. فكان الصحابي الذي يجمع القرآن لا يكتب آية إلا إذا وجدها مكتوبة، ووجدها مَقْروءة عن اثنين من الصحابة فالقرآن كتاب يملك الدليل على كتابته من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مَقْروء كما تدلُّ كلمة " قرآن ". وقوله الحق: { أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ.. } [إبراهيم: 1]. يدلُّ على أنه جاء من عُلُوٍّ. ويقول الحق سبحانه في موقع آخر عن القرآن:وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89]. ويقول في موقع آخر:وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ.. } [الإسراء: 105]. ومرة يسند النزول إلى مَنْ جاء به ومرة ينسب النزول إلى الكائن الذي أرسله الحق بالقرآن إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهو جبريل عليه السلام. فقوله: { أَنزَلْنَاهُ.. } [إبراهيم: 1] للتعدي من منطقة اللوح المحفوظ ليباشر مهمته في الوجود، وعِلِّيّة إنزال القرآن إليك يا محمد هي: { لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ.. } [إبراهيم: 1]. ونلحظ هنا أن القرآن نزل للناس كافَّة، ولم يَقُلِ الحقُّ سبحانه ما قاله للرسُل السابقين على رسول الله حيث كانت رسالة أيٍّ منهم مُحدَّدة بقوم مُعيَّنين، مثل قوله تعالى:وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً.. } [الأعراف: 65]. وقوله الحق:وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً.. } [الأعراف: 85]. وكذلك قوله سبحانه لموسى:وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ.. } [آل عمران: 49]. وهكذا كان كُلُّ رسول إنما يبعثه الله إلى بُقْعة خاصة، وإلى أُنَاسٍ بعينهم، وفي زمن خاصٍّ، إلا محمداً صلى الله عليه وسلم فقد بعثه الله إلى الناس كَافَّة. والمثل أمامنا حين حكم صلى الله عليه وسلم بالحق بين مسلم ويهودي وأنصف اليهودي: لأن الحق كان معه والحق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أعزُّ عليه مِمَّنْ ينتسب إلى الإسلام.

السابقالتالي
2 3