الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }

ونحن نعلم أن " لولا " إنْ دخلت على جملة إسمية تكون حرف امتناع لوجود مثل قولك " لولا زيد عندك لَزُرْتك " ، أي: أن الذي يمنعك من زيارة فلان هو وجود زيد. ولو دخلتْ " لولا " على جملة فعلية فالناطق بها يحب أنْ يحدث ما بعدها مثل قولك " لولا عطفتَ على فلان " أو " لولا صفحتَ عن ولدك " ، أي: أن في ذلك حَضّاً على أنْ يحدث ما بعدها. وظاهر كلام الكفار في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها أنهم يطلبون آية لتأييد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في البيان الذي يحمله من الحق لهم، وكأنهم بهذا القول يُنكِرون المعجزة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم وهي القرآن الكريم، رغم أنهم أمةُ بلاغةٍ وأدب وبيان، وأداء لُغوي رائع وأقاموا أسواقاً للأدب، وخَصَّصوا الجوائز للنبوغ الأدبي وعلَّقوا القصائد على جدران الكعبة، وتفاخرت القبائل بمَنْ أنجبتهم من الشعراء ورجال الخطابة. فلما نزل القرآن من جنس نبوغكم وتفوَّق على بلاغتكم ولم تستطيعوا أن تأتوا بآية مثل آياته كيف لم تعتبروه معجزة وتطالبون بمعجزة أخرى كمعجزة موسى عليه السلام أو كمعجزة عيسى عليه السلام؟ لقد كان عليكم أن تفخروا بالمعجزة الكاملة التي تحمل المنهج إلى قيام الساعة. ولكن الحُمْق جعلهم يطلبون معجزة غير القرآن، ولم يلتفتوا إلى المعجزات الأخرى التي صاحبتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يلتفتوا إلى أن الماء قد نبع من أصابعه صلى الله عليه وسلم والطعام القليل أشبع القوم وفاض منه، والغمامة قد ظللته، وجذع النخلة قد أَنَّ بصوت مسموع عندما نقل رسول الله منبره بعد أنْ كان صلى الله عليه وسلم يخطب من فوق الجذع. وقد يكونون أصحاب عُذْر في ذلك لأنهم لم يَرَوْا تلك المعجزات الحِسِّية بحكم أنهم كافرون واقتصرت رُؤْياها على مَنْ آمنوا برسالته صلى الله عليه وسلم. وهكذا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُحرم من المعجزات الكونية تلك التي تحدث مرة واحدة وتنتهي وهي حُجَّة على مَنْ يراها وقد جاءتْ لتثبيت إيمان القِلَّة المضطهدة فحين يروْنَ الماء مُتفجِراً بين أصابعه، وَهُمْ مَزلْزلون بالاضطهاد هنا يزداد تمسُّكهم بالرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن الكافرين لم يَرَوْا تلك المعجزات. وكان عليهم الاكتفاء بالمعجزة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن كافيني ". والقرآن معجزة من جنس ما نبغتُم فيه أيها العرب، ومحمد رسول من أنفسكم، لم يَأْتِ من قبيلة غير قبيلتكم، ولسانه من لسانكم، وتعلمون أنه لم يجلس إلى مُعلِّم ولا عُلِم عنه أنه خطب فيكم من قبل، ولم يَقْرِض الشعر، ولم يُعرف عنه أنه خطيب من خطباء العرب.

السابقالتالي
2 3