الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ }

ونفهم من كلمة: { لَسْتَ مُرْسَلاً.. } [الرعد: 43]. أن الكافرين يتوقفون عند رَفْض الرسول صلى الله عليه وسلم وكأن كُلَّ أمانيهم أن يَنْفُوا عنه أنه رسولٌ اصطفاه الحق سبحانه بالرسالة الخاتمة بدليل أنهم قالوا:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31]. ومن بعد ذلك قالوا:ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]. أي: أن فكرة الإرسال لرسول مقبولة عندهم، وغير المقبول عندهم هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم. ولذلك يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم: { قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ } [الرعد: 43]. والشهيد كما نعلم هو الذي يرجح حُكْم الحق، فإذا ما ظهر أمر من الأمور في حياتنا الدنيا الذي نحتاج إلى حُكْم فيها فنحن نرفع الأمر الذي فيه خلاف إلى القاضي، فيقول: " هاتوا الشهود ". ويستجوب القاضي الشهود ليحكمَ على ضَوْء الشهادة فَما بالُنَا والشاهد هنا هو الحقُّ سبحانه؟ ولكن، هل الله سيشهد، ولِمَنْ سيقول شهادته وهم غَيْرُ مُصدِّقين لكلام الله الذي نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ونقول: لقد أرسله الحق سبحانه بالمعجزة الدَّالة على صِدْق رسالته في البلاغ عن الله، والمعجزة خَرْقٌ لنواميس الكون. وقد جعلها الحق سبحانه رسالةً بين يدي رسوله وعلى لسانه فهذا يعني أنه سبحانه قد شهد له بأنه صادق. والمعجزة أَمْر خارق للعادة يُظهِرها الله على مَنْ بلغ أنه مُرْسَل منه سبحانه، وتقوم مقام القول " صدق عبدي فيما بلغ عنِّي ". وإرادة المعجزة ليست في المعنى الجزئي بل في المعنى الكُليّ لها. والمثل في المعجزات البارزة واضح فها هي النار التي أَلْقَوْا فيها إبراهيم عليه السلام، ولو كان القَصْد هو نجاته من النار لكانت هناك ألفُ طريقة ووسيلة لذلك كأنْ تُمطِر الدنيا أو لا يستطيعون إلقاء القبض عليه. ولكن الحق سبحانه يوضح لهم من بعد أن أمسكوا به، ومن بعد أن كبَّلوه بالقيود، ومن بعد أن ألقوْه في النار ويأتي أمره بأن تكون النار برداً وسلاماً عليه فلا تحرقه:قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء: 69]. وهكذا غيّر الحق سبحانه الناموس وخَرَقه وذلك كي يتضح لهم صِدْق إبراهيم فيما يبلغ عن الله فقد خرَق له الحق سبحانه النواميس دليلَ صحة بلاغه. وإذا كان الحق سبحانه قد قال هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.. } [الرعد: 43]. وشهادة الحق سبحانه لرسوله بصدق البلاغ عنه تتمثل في أنه صلى الله عليه وسلم قد نشأ بينهم، وأمضى أربعين عاماً قبل أن ينطق حرفاً يحمل بلاغه أو خطبة أو قصيدة، ولا يمكن أن تتأخرَ عبقرياتُ النبوغ إلى الأربعين.

السابقالتالي
2