الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

هذه الآية جاءت بشيء من التفصيل لقول الحق سبحانه في أواخر سورة يوسف:وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105]. وتلك آية تنضم إلى قوله تعالى:رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا.. } [الرعد: 2]. وتنضم إلى:يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ.. } [الرعد: 2]. وتنضم إلى قوله سبحانه:وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ.. } [الرعد: 3]. وحين نتأمل قول الحق سبحانه: { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ.. } [الرعد: 4]. نجد أننا لا نستطيع أن نعرفها بأنها التي يعيش عليها أمثالنا تلك هي الأرض، ولو أردنا تعريفها لأبهمناها، فهي أوضح من أن تُعَرّف. وكلمة " قِطَع " تدلُّ أول ما تدلُّ على " كل " ينقسم إلى أجزاء، وهذا الكُلُّ هو جنس جامع للكلية وفيه خصوصية تمييز قطع عن قطع. وأنت تسمع كلام العلماء عن وجود مناطق من الأرض تُسمّى حزام القمح، ومناطق أخرى تُسمَّى حزام الموز ومناطق حارة وأخرى باردة. وقول الحق سبحانه: { قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ.. } [الرعد: 4]. هو قول يدل على الإعجاز فعلى الرغم من أنها متجاورات إلا أن كلاً منها تناسب الطقس الذي توجد فيه فزراعة الذرة تحتاج مناخاً مُعيناً وكذلك زراعة الموز. وهكذا تجد كل منطقة مناسبة لما تنتجه، فالأرض ليست عجينة واحدة استطراقية، لا بل هي تربة مناسبة للجو الذي توجد به. ومن العجيب أن فيها الأسرار التي يحتاجها الإنسان هذا السيد الذي تخدمه كل الكائنات، فليست الأرض سائلة في التماثل بل تختلف بما يناسب الظروف، فهناك قطعة سبخة لا تنبت وأخرى خصبة تنبت. بل وتختلف الخصوبة من موقع إلى آخر ومن قطعة إلى أخرى فثمرة الجوافة من شجرة معينة في منطقة معينة تختلف عن ثمرة الجوافة من شجرة في منطقة أخرى والقمح في منطقة معينة يختلف عن القمح في منطقة أخرى ويقال لك " إنه قمح فلان ". ويحدث ذلك رغم أن الأرض تُسْقَى بماء واحد. ويقول العلماء البعيدون عن منطق السماء: " إن السبب في الاختلاف هو عملية الاختيار والانتخاب ". وكأنهم لا يعرفون أن الاختيار يتطلب مُخْتاراً، وأن يكون له عقل يُفكِّر به ليختار، وكذلك الانتخاب فهل البُذَيْرات تملك عقلاً تُفكِّر به وتختار؟ طبعاً لا. ويقولون: إن النبات يتغذَّى بالخاصية الشعرية، ونعلم أن الأنابيب الشعرية التي نراها في المعامل تكون من الزجاج الرفيع وإذا وضعناها في حوض ماء، فالماء يرتفع فيها على مستوى الإناء. وإنْ صدَّقْنا العلماء في ذلك، فُكيف نصدِّقهم في أن شجرة ما تأخذ ماءً من الشجرة الأخرى وتنتج كل منهما نفس الثمار لكن ثمار شجرة تختلف عن الأخرى في الطَّعْم؟ ونقول: إن كل شجرة تأخذ من الأرض ما ينفعها ولذلك تختلف النباتات، ويحدث كل ذلك بقدرة الذي قَدَّر فهدى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6