الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

ولقائل أنْ يتساءل: أَلَمْ يكُنْ من الواجب ما دام قد قال: { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [الرعد: 33]. أن يأتي بالمقابل، ويقول: كمَنْ ليس قائماً على كل نفس بما كسبت؟ ولمثل هذا السائل نقول: إنها عظمة القرآن الذي يترك للعقل ما يمكن أن يستنبطه فيأتي بأشياء تتطلَّب التفكير والاستنباط، كي يتنبَّه الإنسان أنه يستقبل كلام رَبٍّ حكيم وعليه أن يبحث فيه. ولذلك يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: " ثَوِّروا القرآن " أي: أثيروه، كي تكتشفوا ما فيه من كنوز. ونحن نعلم أن كلمة " قائم على الأمر " تعني أنه هو الذي يُدِيره ويُدبِّره، ولا تَخْفَى عليه خافية. وجاء الحق سبحانه هنا بصيغة القيام كي نعلم أن الحق سبحانه لا يدير الأمر من حالة قعود بل يديره وهو قائم عليه، فكل أمر هو واضح عنده غير خَفيّ. وهو سبحانه قائم على كل نفس بما كسبتْ إن خيراً فخيْر وإنْ شراً فشرّ، ولكنكم أيها الكافرون المشركون لا تملكون لأنفسكم ضراً ولا نَفْعاً فهل يمكن لعاقل أنْ يساوي بين الذي يقوم على أمر كل نفس، بغيره مِمَّن ليس كذلك؟ ولكن هناك مَنْ قال فيهم الحق سبحانه في نفس الآية: { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ.. } [الرعد: 33]. أي: جعلوا للقائم على أمر كُلِّ نفس شركاء لا يقدر الواحد فيهم على أمر نَفْسه وبالتالي لا يقدر على أمر غيره بل قد يُصَابُ الصَّنم من هؤلاء بشَرْخ فيأتي مَنْ يعبدونه ليقوموا على أمره صارخين بأن إلههم قدْ انشرخَ ويحتاج إلى مسمارين لتثبيته، فكيف يُسوُّونَ ذلك الصنم بالله الذي لا يحدُّه شيء ولا يحُدُّ قدرته شيء؟ وقَوْل الحق سبحانه: { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ.. } [الرعد: 33]. دليل على النص المحذوف: " كمن هو غير قائم على كل نفس " ، فسبحانه ليس كهذه الأصنام العاجزة لأنه سبحانه قائم على كل نفس نفسك ونفس غيرك ونفس كل إنسان عاش أو سيعيش. ولذلك يقول سبحانه بعدها: { قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ.. } [الرعد: 33]. وهنا يأمر الحق سبحانه رسوله أن يقول للكافرين بالله: قُولوا أسماء مَنْ تعبدونهم من غير الله وهي أحجار، والأحجار لا أسماءَ لها وهم قد سَمَّوْا الأصنام بأسماء كاللاّت والعُزَّى وهُبَل وهي أسماء لم تُضِفْ لتلك الأصنام شيئاً، فهي لا تقدر على شيء ولو سَمَّوْهَا لُنسِبت لعمرو بن لُحَيّ، الذي أوجدهم وهُمْ سَمَّوْها ساعة أنْ نحتُوها. والإله الحق لا يسميه أحد، بل يُسمِّي هو نفسه، ولكن بما أن المسألة كَذِب في كَذِب، لذلك يسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسماء تلك الآلهة.

السابقالتالي
2