الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }

فكما أرسلك الله إلى أمتك فقد سبق أنْ أرسل سبحانه رُسُلاً إلى الأمم التي سبقتْ ولم يُرسِل مع أيٍّ منهم معجزة تناقض ما نبغَ فيه قومُه كَيْ لا يقولَ واحدٌ أن المعجزة التي جاءتْ مع الرسول تتناولُ ضَرْباً لم يَأْلفوه ولو كانوا قد أَلِفوه لَمَا تفوَّق عليهم الرسول. وقول الحق: { كَذَلِكَ } [الرعد: 30]. يعني: كهذا الإرسال السابق للرسل جاء بَعْثُكَ إلى أمتِك، كتلك الأمم السابقة. ويأتي الحق سبحانه هنا بالاسم الذي كان يجب أن يَقْدروه حَقَّ قَدْره وهو " الرحمن " فلم يَقُلْ: وهم يكفرون بالله بل قال: { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ.. } [الرعد: 30]. فهم يعيشون - رغم كُفْرهم - في رزقٍ من الله الرحمن، وكُل ما حولهم وما يُقيتهم وما يَسْتمتعون به من نِعَم عطاءاتٌ من الله. وهم لا يقومون بأداء أيٍّ من تكاليف الله فكان من اللياقة أن يذكروا فَضْل الله عليهم وأنْ يؤمنوا به لأن مطلوب الألوهية هو القيام بالعبادة. وهو سبحانه هنا يأتي باسمه " الرحمٰن " والذي يفيد التطوع بالخير وكان من الواجب أن يقدرُوا هذا الخيْر الذي قدَّمه لهم سبحانه، دون أن يكون لهم حَوْلٌ أو قوة. وكان يجب أن يعتبروا ويعلنوا أنهم يتجهون إليه سبحانه بالعبادة وأنْ يُنفّذوا التكليف العباديّ. وفي صُلْح الحديبية دارتْ المفاوضات بين المسلمين وكفار قريش الذين منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخول مكة، ولكنهم قَبِلوا التعاهد معه، فكان ذلك اعترافاً منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وصَحْبه الذين صاروا قوة تُعاهِدُ تأخذ وتعطي. ولذلك نجد سيدنا أبا بكر - رضي الله عنه - يقول: " ما كان في الإسلام نصرٌ أعظم من نَصْر الحديبية ". فقد بدأتْ قريش في الحديبية الاعترافَ برسول الله وأمة الإسلام وأخذوا هُدْنة طويلة تمكَّن خلالها محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته من أنْ يغزُوا القبائل التي تعيش حول قريش حيث كانت تذهب سَرِية ومعها مُبشِّر بدين الله فتُسلِم القبائل قبيلة من بَعْد قبيلة. وهكذا كانت الحديبية هي أعظم نصْر في الإسلام فقد سكنتْ قريش وتفرَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه لدعوة القبائل المحيطة بها للإسلام. ولكن الناس لم يتسع ظنُّهم لما بين محمد وربِّه. والعباد دائماً يَعْجلون، والله لا يَعْجل بعَجلةِ العباد حتَّى تبلغَ الأمورُ ما أراد. " وحين جاءت لحظة التعاقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش في الحُديْبية، وبدأ عليُّ بن أبي طالب في كتابة صيغة المعاهدة، كتب " هذا ما صَالح عليه محمد رسول الله " فاعترض سهيل بن عمرو وقال: لو شهدتُ أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب: " هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو ". وأصر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن تُكتب صفة محمد كرسول، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. اكتب محمد بن عبد الله " ".

السابقالتالي
2 3