الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

ويتابع الحق سبحانه سَرْد آياته الكونية في هذه الآية: { مَدَّ ٱلأَرْضَ.. } [الرعد: 3]. يعني أنها موجودة أمامك ومُمْتدة، وبعض الناس يفهمون المَدَّ بمعنى البسط، ونقول: إن البَسْطَ تابع للمَدِّ. ولذلك وقف بعض العلماء وقالوا: ومن قال إن الأرض كُرَويّة؟ إن الحق سبحانه قال: إنها مبسوطة، وهو سبحانه الذي قال: إنه قد مَدَّ الأرض. وقلتُ لهؤلاء العلماء: فَلْنفهم كلمة المَدِّ أولاً، وَلنْفهَمْ أيضاً كلمة " الأرض " وهي التي تقف عليها أنت وغيرك، وتعيش عليها الكائنات، وتمتد شمالاً إلى القُطْب الشمالي، وجنوباً إلى القُطْب الجنوبي، أيّاً ما كُنْت في أيِّ موقع فهي مَمْدودة شرقاً وغرباً. ومعنى: { مَدَّ ٱلأَرْضَ.. } [الرعد: 3]. تعني أنك إنْ وقفتَ في مكان وتقدمتَ منه تجد الأرض ممدودة أمامك ولا توجد حَافّة تنتهي لها، ولو أنها كانت مبسوطة لَكانَ لها نهاية، ولكانت على شكل مُثلّث أو مُربع أو مستطيل ولكانَ لها حافة ولوجدنا مَنْ يسير إلى تلك الحافة، هو يقول: " لقد وصلتُ لحافة الأرض وأمامي الفراغ " ولم يحدث أنْ قال ذلك واحد من البشر. وإذا ما سار إنسان على خط الاستواء مثلاً فسيظل ماشياً على اليابسة أو راكباً لمركب تقطع به البحر أو المحيط ليصل إلى نفس النقطة التي بدأ منها سَيْره. وهكذا نجد الأرض ممدودة غير محدودة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الأرض مُكوَّرة، بحيث إذا مشيت مُتتبِّعاً أيَّ خط من خطوط العرض أو خطوط الطول لانتهتْ إلى النقطة التي بدأت منها سَيْركَ. وكان هذا هو الدليل الذي يقدمه العلماء على كروية الأرض قبل أن يخترعوا فكرة التصوير من خارج الغلاف الجوي. ونأخذ من قول الحق سبحانه: { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ.. } [الرعد: 3]. معنًى آخر هو ضرورة أن ينظر الإنسانُ في هذا الامتداد ومَنْ تضيق به الحياة في مكان يُمكنه أن يرحلَ إلى مكان آخر، فأرضُ الله واسعة، والحق سبحانه هو القائل:أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا.. } [النساء: 97]. ونعلم أن فساد العالم في زمننا إنما ينشأ من فساد السياسات وزيادة الاضطرابات، وذلك واحد من نتائج تعويق مَدِّ الأرض، فساعة يحاول إنسان أن يترك حدود موطنه يجد الحراسات والعوائق عند حدود البلاد المجاورة، وتناسَى الجميع قَوْل الحق سبحانه:وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ } [الرحمن: 10]. فسبحانه قد سَخَّر الأرض وأخضعها للأنام كل الأنام، وإذا لم يتحقق هذا المبدأ القرآني سيظل العالم في صراع وستظلُّ بعض من البلاد في حاجة للبشر، وبعض من البلاد في ضِيق من الرزق لزيادة السكان عن إمكانات الأرض التي يعيشون عليها. وستظل هناك أرض بلا رجال ورجال بلا أرض، نتيجة للحواجز المصطنعة بين البلاد.

السابقالتالي
2 3 4 5