الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }

وطُوبَى من الشيء الطيِّب أي: سيُلاقُونَ شيئاً طيباً في كُلِّ مظاهره: شكلاً ولَوْناً وطَعْماً ومزاجاً وشهوة، فكُلُّ ما يشتهيه الواحد منهم سيجده طيباً وكأن الأمر الطيب موجوداً لهم. وقول الحق سبحانه: { وَحُسْنُ مَآبٍ } [الرعد: 29]. أي: حَسُنَ مرجعهم إلى مَنْ خلقهم أولاً، وأعاشهم بالأسباب ثم أخذهم ليعيشوا بالمُسبِّب الأعلى وبإمكانية " كُنْ فيكون ". ويريد الحق سبحانه من بعد ذلك أنْ يُوضِّح لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه رسول من الرُّسُل وكان كل رسول إلى أيِّ أمة يصحب معه معجزة من صِنْف ما نبغ فيه قومه. وقد أرسل الحق سبحانه محمداً صلى الله عليه وسلم ومعه المعجزة التي تناسب قومه فَهُمْ قد نبغوا في البلاغة والبيان وصناعة الكلام، وقَوْل القصائد الطويلة وأشهرها المُعلَّقات السبع ولهم أسواقٌ أدبية مثل: سوق عكاظ، وسوق ذي المجاز. ولذلك جاءت معجزته صلى الله عليه وسلم من جنس ما نبغُوا فيه كي تأتيهم الحُجَّة والتعجيز. ولو كانت المعجزة في مجال لم ينبغوا فيه لقالوا: " لم نعالج أمراً مثل هذا من قبل ولو كُنَّا قد عالجناه لَنبغْنَا فيه ". وهكذا يتضح لنا أن إرسالَ الرسولِ بمعجزة في مجال نبغَ فيه قومه هو نَوْعٌ من إثبات التحدِّي وإظهار تفوُّق المعجزة التي جاء بها الرسول. وهكذا نرى أن إرسال محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن - وإنْ لم يُقنِع الكفار - إنما كان مُطَابقاً لمنطق الوحي من السماء للرسالات كلها. ولذلك يقول الحق سبحانه هنا: { كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ... }.