الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ }

والبَسْط هو مَدُّ الشيء. وقد أقام العلماء معركة عند تحديد ما هو الرزق، فهل الرزق هو ما أحلَّه الله فقط؟ أم أن الرزق هو كل ما ينتفع به الإنسان سواء أكان حلالاً أم حراماً؟ فمن العلماء مَنْ قال: إن الرزق هو الحلال فقط ومنهم من قال: إن الرزق هو كل ما يُنتفع به سواء أكان حلالاً أم حراماً لأنك إن قُلْتَ إن الرزق محصور في الحلال فقط إذن: فَمنْ كفر بالله من أين يأكل؟ ألم يخاطب الحق سبحانه المكابرين قائلاً:قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ.. } [يونس: 31]. وقال سبحانه:إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } [الذاريات: 58]. ويقول تعالى:وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [الذاريات: 22-23]. إذن: فالرزق هو من الله ومن بعد ذلك يأمر " افعل كذا " و " لا تفعل كذا ". وقول الحق سبحانه: { ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ.. } [الرعد: 26]. أي: أنه سبحانه يمُد الرزق لِمَن يشاء: { وَيَقَدِرُ.. } [الرعد: 26]. من القَدْر. أي: في حالة إقداره على المُقَدَّر عليه وهو مَنْ يعطيه سبحانه على قَدْر احتياجه لأن القَدْر هو قَطْع شيء على مساحة شيء، كأنْ يعطي الفقير ويبسط له الرزق على قَدْر احتياجه. والحق سبحانه أمرنا أنْ نُعطِي الزكاة للفقير ويظل الفقير عائشاً على فقره لأنه يعيش على الكفاف. أو: يقدر بمعنى يُضيِّق وساعة يحدث ذلك إياك أنْ تظن أنَّ التضييق على الفقير ليس لصالحه، فقد يكون رزقه بالمال الوفير دافعاً للمعصية ومن العِفَّة ألا يجد. أو: يقدر بمعنى يُضيِّق على إطلاقها، يقول سبحانه:لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } [الطلاق: 7]. ولأن الله قد آتاه فهذا يعني أنه بَسَط له بقدره. ويتابع سبحانه: { وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا.. } [الرعد: 26]. وطبعاً سيفرح بها مَنْ كان رزقه واسعاً والمؤمن هو مَنْ ينظر إلى الرزق ويقول: هو زينة الحياة الدنيا ولكن ما عند الله خَيْر وأبقى. أما أهل الكفر فقد قالوا:لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31]. ويردُّ الحق سبحانه عليهم:أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ.. } [الزخرف: 32]. وساعةَ تبحث في تحديد هذا البعض المبسوط له الرزق والبعض المُقدَّر عليه في الرزق لن تجد ثباتاً في هذا الأمر لأن الأغيار قد تأخذ من الغنيّ فتجعله فقيراً وقد تنتقل الثروة من الغنيّ إلى الفقير. وسبحانه قد ضمن أسباباً عُلْيا في الرزق لكل من المؤمن والكافر والطائع والعاصي وكلنا قد دخل الحياة ليأخذ بيده من عطاء الربوبية فإنْ قصَّر واحد فليس لهذا المَرْء من سبب سوى أنه لم يأخذ بأسباب الربوبية وينتفع بها.

السابقالتالي
2