الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ }

إذن: فالدار الآخرة التي تعقب الدنيا بالنسبة لأُولِي الألباب هي جنات عَدْن. و " العَدْن " هو الإقامة الدائمة وجنات عدن هي جنات الإقامة الدائمة، لأن الدنيا ليست دار إقامة. وكل نعيم في الدنيا إما أن تفوته بالموت أو يفوتك بأغيار الحياة. أما جنات عَدْن فهي دار إقامة دائمة بما أن " عدن " تعني مرافقة دائمة للجنات. والجنات معناها كما نفهم هي البساتين التي فيها أشجار وفيها ثمار وكل ما تشتهي الأنفس، مع ملاحظة أن هذه الجنَّات ليست هي المساكن بل في تلك الجنات مسكن بدليل قول الحق سبحانه:وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ.. } [التوبة: 72]. فالجنات هي الحدائق وفيها مساكن، ونحن في حياتنا الدنيا نجد الفيلات في وسط الحدائق، فما بالنا بما يَعِد به الله من طيب المساكن وسط الجنات؟ لا بد أن ينطبق عليه وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للجنة في الحديث القدسي عن رب العزة سبحانه: " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عَيْن رأتْ، ولا أذن سمعتْ، ولا خَطر على قلب بشر ". وهكذا بيَّن الله سبحانه عقبى الدار فهي: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ.. } [الرعد: 23]. وآباء جمع " أب " أي: يدخلها مع أولي الألباب مَنْ كان صالحاً من الآباء مُتبعاً لمنهج الله. وإنْ سأل سائل: وأين الأمهات؟ أقول: نحن ساعة نثني المتماثلين نُغلِّب الذَّكر دائماً، ولذلك فآباؤهم تعني الأب والأم، ألَمْ يقُلِ الحق سبحانه في سورة يوسف:وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ.. } [يوسف: 100]. وهؤلاء هم الذين يدخلون الجنة من أُولِي الأَلْباب الذين استوفَوْا الشروط التسعة التي تحدَّثنا عنها فهل استوفى الآباء والأزواج والأبناء الشروط التسعة؟ ونقول: إن الحقَّ سبحانه وتعالى يعامل خَلْقه في الدنيا بمقتضى العواطف الموجودة في الذُّرية فالواحد مِنّا يُحِب أولاده وأزواجه وآباءه وما دام يحبهم وقد صلحوا كُلٌّ حَسْب طاقته فالحق سبحانه يُلحقهم به. ولذلك تأتي آية أخرى يقول فيها الحق سبحانه:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21]. وهنا يمسك القرآن القضية العقلية في الإلحاق بمعنى أنْ تُلحِق ناقصاً بكامل، فلو كان مُساوياً له في العمل ما سُمِّي إلحاقاً، فكل إنسان يأخذ حَقَّه وقد اشترط الحق سبحانه شرطاً واحداً في إلحاق الذرية بالآباء، أو إلحاق الآباء بالذرية في الجنة، وهو الإيمان فقط. وأوضح لنا هنا أن الآباء قد تميَّزوا بعمل إيماني بدليل قوله تعالى:وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ.. } [الطور: 21]. فلم يأخذ سبحانه عمل الأب الذي عمل والابن الذي لم يعمل، ومزج الاثنين، ليأخذ المتوسط، لا، وذلك كي لا يظلم مَنْ عمل من الآباء أو الأبناء.

السابقالتالي
2