والواحد من أولي الألباب ساعة آمن بالله فهو يعلم أنه قد تعاهد مع الله عهداً بألاَّ يعبد غيره وألاَّ يخضع لغيره وألاَّ يتقرَّب لغيره وألاَّ ينظر أو ينتظر من غيره وهذا هو العهد الأول الإيماني. ويتفرّع من هذا العهد العقدي الأول كُلُّ عهد يُقطع سواء بالنسبة لله، أو بالنسبة لخَلْق الله لأن الناشئ من عهد الله مثله مثل عهد الله فإذا كنتَ قد آمنتَ بالله فأنت تؤمن بالمنهج الذي أنزله على رسوله وإذا أوفيتَ بالمنهج تكون قد أوفيتَ بالعهد الأول. ولذلك نجد كل التكليفات المهمة البارزة القوية في حياة المؤمنين نجد الحق سبحانه يأتي بها في صيغة البناء فيما يسمى " البناء للمجهول " مثل قوله:{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ.. } [البقرة: 183]. وقوله:{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى.. } [البقرة: 178]. وقوله:{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ.. } [البقرة: 216]. وكُلُّ التكليفات تأتي مَسْبوقة بكلمة " كُتِب " والذي كتب هو الله وسبحانه لم يُكلِّف إلا مَنْ آمن به فساعةَ إعلان إيمانك بالله هي ساعة تعاقدك مع الله على أن تُنفِّذ ما يُكلِّفك به. وأنت حُرٌّ في أنْ تؤمن أو لا تؤمن لكنك لحظةَ إيمانك بالله تدخل إلى الالتزام بما يُكلِّفك به، وتكون قد دخلت في كتابة التعاقد الإيماني بينك وبين الله. ولذلك قال الحق سبحانه " كُتِب " ولم يَقُلْ: " كتبْتُ " لأن العهد بينك وبين الله يقتضي أن تدخلَ أنت شريكاً فيه، وهو سبحانه لم يُكلِّف إلا مَنْ آمن به. وسبحانه هنا يقول: { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } [الرعد: 20]. أي: أن العهد الإيماني مُوثَّق بما أخذْتَه على نفسك من التزام. ويواصل سبحانه وَصْفَ هؤلاء بقوله: { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ... }.