الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

وكلمة " الله " عَلَمٌ على واجب الوجود مَطْمورة فيه كُلُّ صفات الكمال ولحظةَ أنْ تقول " الله " كأنك قُلْتَ " القادر " " الضار " " النافع " " السميع " " البصير " " المُعْطي " إلى آخر أسماء الله الحسنى. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " كُلُّ عمل لا يبدأ باسم الله هو أبتر ". لأن كل عمل لا يبدأ باسمه سبحانه لا تستحضر فيه أنه سبحانه قد سَخَّر لك كُلَّ الأشياء، ولم تُسخِّرْ أنت الأشياء بقدرتك. ولذلك، فالمؤمن هو مَنْ يدخل على أيِّ عمل بحيثية " بسم الله الرحمن الرحيم " لأنه سبحانه هو الذي ذلَّلَ للإنسان كل شيء، ولو لم يُذلِّلها لَمَا استجابتْ لك أيها الإنسان. وقد أوضح الحق سبحانه ذلك في أمثلة بسيطة فنجد الطفل الصغير يُمسِك بحبل ويربطه في عنق الجمل، ويأمره بأن " ينخّ " ويركع على أربع فيمتثل الجمل لذلك. ونجد البرغوث الصغير يجعل الإنسان ساهراً الليل كُلَّه عندما يتسلل إلى ملابسه ويبذل هذا الإنسان الجَهْدَ الجَهِيد لِيُمسِك به وقد يستطيع ذلك وقد لا يستطيع. وهكذا نعرف أن أحداً لم يُسخِّر أيَّ شيء بإرادته أو مشيئته، ولكن الحق سبحانه هو الذي يذلِّل كُلَّ الكائنات لخدمة الإنسان. والحق سبحانه هو القائل:وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [يس: 72]. وأنت حين تُقبِل على أيِّ عمل يحتاج إلى قدرة فتقول: " باسم القادر الذي أعطاني بعض القدرة ". وإنْ أقبلتَ على عمل يحتاج مالاً تقول: " باسم الغني الذي وَهَبنِي بعضاً من مال أقضي به حاجاتي ". وفي كل عمل من الأعمال التي تُقبِل عليها تحتاج إلى قدرة وحكمة وغِنىً، وبَسْط وغير ذلك من صفات الحق التي يُسخِّر بها سبحانه لك كُلَّ شيء فشاءتْ رحمتُه سبحانه أنْ سَهَّل لنا أن نفتتح أيَّ عمل باسمه الجامع لكل صفات الجمال والكمال " بسم الله الرحمن الرحيم ". ولذلك يُسَمُّونه " عَلَمٌ على واجب الوجود ". وبقية الأسماء الحسنى صفات لا توجد بكمالها المُطْلق إلاَّ فيه فصارتْ كالاسم. فالعزيز على إطلاقه هو الله. ولكِنَّا نقول عن إنسان ما " عزيزُ قومِه " ، ونقول " الغَنيّ " على إطلاقه هو الله، ولكِنْ نقول " فلان غنيّ " و " فلان فقير ". وهكذا نرى أنها صفاتٌ أخذتْ مرتبة الأسماء وهي إذا أُطِلقَتْ إنما تشير إليه سبحانه. وعرفنا من قَبْل أن أسماء الله إما أن تكون أسماءَ ذات وإما أن تكون أسماءَ صفات فإنْ كان الاسم لا مقابل له فهو اسمُ ذاتٍ مثل: " العزيز ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد