الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ }

و " قل " هي أمْر للرسول أنْ يقول للكافرين، وهناك في آيات أخرى يقول سبحانه:وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [الزخرف: 87]. ولقائل أن يسأل: لماذا جاء الحق سبحانه هنا بالإجابة ولم يتركْها لتأتي منهم؟ ونقول: إن مجيء الإجابة من الحق هنا عن الذي خلق السماوات والأرض أقوى مِمّا لو جاءت الإجابة منهم. والمثل من حياتنا ولله المَثَل الأعلى قد تقول لابنك الصغير المُتَشاحِن مع أخيه الكبير: مَنِ الذي جاء لك بالحُلَّة الجديدة؟ فيرتبك خجلاً لأنه يعلم أن مَنْ جاء له بالحُلَّة الجديدة هو أخوه الأكبر الذي تشاحن معه فتقول أنت: جاء لك بها أخوك الأكبر الذي تشاحنتَ معه. وهنا لحظة أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ما أمره الله أن يقول: { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [الرعد: 16]. فسوف يرتبكون فيؤكد لهم بعد ذلك ما أمره الله أن يقول: { قُلِ ٱللَّهُ.. } [الرعد: 16]. ويتتابع أمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فيقول له الحق سبحانه: { قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً.. } [الرعد: 16]. وهكذا يكشف لهم الرسول ببلاغ الحق سبحانه مدى جهلهم وهم مَنْ سبق لهم الاعتراف بأن الله هو خالق السماوات والأرض ولم يجرؤ واحد منهم على أن ينسب خَلْق السماوات والأرض للأصنام. وهنا يوضح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمر الحقُّ سبحانه بإيضاحه: لقد خلق الله السماوات والأرض أفبعد ذلك تتخذون من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً؟ بدليل أن الصنم من هؤلاء لا يقدر لهم على شيء. ويتابع الحق سبحانه: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ وَٱلنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ } [الرعد: 16]. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يستوي الأعمى بالمبصر. وساعةَ ترى " أَمْ " اعلم أنها ضَرْب انتقالي، وهكذا يستنكر الحق ما فعلوه بالاستفهام عنه لأنه شيء مُنْكر فعلاً: { أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ.. } [الرعد: 16]. أي: لو كان هؤلاء الشركاء قد خلقوا شيئاً مثل خَلْق الله لَكَان لهم أنْ يعقدوا مقارنة بين خَلْق الله وخَلْق هؤلاء الشركاء ولكن هؤلاء الشركاء الذين جعلوهم مشاركين لله في الألوهية لا يَقْدرون على خَلْق شيء فكيف يختارونهم شركاء لله؟ ويأتي الأمر من الحق سبحانه: { قُلِ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [الرعد: 16]. وفي آية أخرى يُقدِّم الحق سبحانه تفسيراً لتلك الآية:إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ.. } [الحج: 73]. فهؤلاء الشركاء لم يخلقوا شيئاً، ولن يستطيع أحدٌ الادعاء بأن هؤلاء الشركاء عندهم نية الخَلْق، ولكن مجيء " لن " هنا يُؤكد أنهم حتى بتنبيههم لتلك المسألة فَلَسوف يعجزون عنها لأن نَفْي المستقبل يستدعي التحدِّي رغم أنهم آلهة متعددة ولو اجتمعوا فلن يخلقوا شيئاً.

السابقالتالي
2