الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ }

وكُلُّنا يعرف البَرْق، ونحن نستقبله بالخوف مما يُزعِج وبالطمع فيما يُحَبّ ويُرْغَب، فساعةَ يأتي البرق فنحن نخاف من الصواعق لأن الصواعقَ عادةً تأتي بعد البَرْق أو تأتي السحابات المُمْطِرة. وهكذا يأتي الخَوْف والطَّمَع من الظاهرة الواحدة. أو: أنْ يكون الخوف لقوم والرجاء والطمع لقوم آخرين. والمثل الذي أضربه لذلك دائماً هو قول أحد المقاتلين العرب وصف سيفه بأنه " فَتْح لأحبابه، وحَتْفٌ لأعدائه ". والمثل الآخر الذي أضربه ما رواه لنا أمير بلدة اسمها " الشريعة " وهي تقع بين الطائف ومكة وقد حدثنا أمير الشريعة عام 1953 عن امرأة صالحة تحفظ القرآن اسمها " آمنة ". هذه المرأة كان لها بنتان تزوَّجتا وأخذ كُلُّ زَوْجٍ زوجته إلى مَحَلِّ إقامته وكان أحدُ زَوْجَي البنتين يعمل في الزراعة والآخر يعمل بصناعة " الشُّرُك ". وقالت آمنة لزوجها: أَلاَ تذهب لمعرفة أحوال البنتين؟ فذهب الرجل لمعرفة أحوال البنتين، فكان أول مَنْ لقي في رحلته هي ابنته المتزوجة مِمَّنْ يحرث ويبذر، فقال لها: كيف حالك وحال زوجك وحال الدنيا معك أنت وزوجك؟ قالت: يا أَبتِ، أنا معه على خير، وهو معي على خير، وأما حال الدنيا فَادْعُ لنا الله أنْ يُنزِل المطر لأننا حرثنا الأرض وبذرْنَا البذور وفي انتظار رَيِّ السماء. فرفع الأب يديه إلى السماء وقال: اللهم إنِّي أسألك الغَيْث لها. وذهب إلى الأخرى وقال لها: ما حالك؟ وما حال زوجك؟ فقالت: خير، وأرجوك يا أبي أن تدعوَ لنا الله أنْ يمنع المطر لأننا قد صنعنا الشِّرَاك من الطين ولو أمطرتْ لَفسدتِ الشُّرُك، فَدَعا لها. وعاد إلى امرأته التي سألته عن حال البنتين فبدا عليه الضيق وقال: هي سَنة سيئة على واحدة منهما، وروى لها حال البنتين وأضاف: ستكون سنة مُرْهِقة لواحدة منهما. فقالت له آمنة: لو صبرت لَقُلْتُ لك: إن ما تقوله قد لا يتحقق وسبحانه قادر على ذلك. قال لها: ونعم بالله، قولي لي كيف؟ فقالت آمنة: ألم تقرأ قول الله:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ.. } [النور: 43]. فسجد الرجل لله شكراً أن رزقه بزوج تُعينه على أمر دينه، ودعا: اللهم اصْرِف عن صاحب الشِّراكِ المطر وأفِضْ بالمطر على صاحب الحَرْث. وقد كان. وهذا المثل يوضح جيداً معنى الخوف والطمع عند رؤية الرعد: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً.. } [الرعد: 12]. إما من النفس الواحدة بأن يخافَ الإنسانُ من الصواعق، ويطمع في نزول المطر، أو من متقابلين واحد ينفعه هذا وواحد يضره هذا.

السابقالتالي
2