الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ }

وساعة تسمع كلمة " سواء " فالمقصود بها عدد لا يقل عن اثنين، فنقول " سواء زيد وعمرو " أو " سواء زيد وعمر وبكر وخالد ". والمقصود هنا أنه ما دام الحق سبحانه عالم الغيب والشهادة فأيُّ سِرٍّ يوجد لا بد أن يعلمه سبحانه، وهو سبحانه القائل:ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ * لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ * وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } [طه: 5-7]. وهل السر هو ما ائتمنتَ عليه غيرك؟ إذا كان السر هو ذلك فالأخْفَى هو ما بَقِي عندك، وإنْ كان السر بمعنى ما يوجد عندك ولم تَقُلْه لأحد فسبحانه يعلمه قبل أن يكون سراً. ويتابع سبحانه: { وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [الرعد: 10]. وهكذا جمع الحق سبحانه هنا كل أنواع العمل فالعمل كما نعلم هو شغل الجوارح بمتعلقاتها فعمل اللسان أن يقول وأن يذوق، وعمل الأيدي أن تفعل، وعمل الأذن أن تسمع، وعمل القلب هو النية، والعمل كما نعلم يكون مرَّة قَوْلاً، ومرَّة يكون فِعْلاً. وهكذا نجد " القول " وقد أخذ مساحة نصف " العمل " ، لأن البلاغ عن الله قَوْل، وعمل الجوارح خاضع لِمَقُول القول من الحق سبحانه وتعالى. ولذلك أوضح لنا الحق سبحانه أن العمل هو كُلُّ فعل متعلق بالجوارح وأخذ القول شِقاً بمفرده وأخذتْ أفعال الجوارح الشِّقَّ الآخر لأن عمل بقية الجوارح يدخل في إطار ما سمع من منهج الله. ولذلك تجمع الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها كل العمل من قَََوْل وفعل: { سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } [الرعد: 10]. ومَنْ يستخفي بالليل لا بد أنه يُدبِّر أمراً كأن يريد أن يتسمَّع ما وراء كل حركة أو ينظر ما يمكن أنْ يشاهده، وكذلك مَنْ يبرز ويظهر في النهار فالله عالم به. وكان على الكفار أن ينتبهوا لأمر عجيب كانوا يُسِرُّونه في أنفسهم لحظة أنْ حكى الله فقال:وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ.. } [المجادلة: 8]. فكيف عَلِمَ الله ذلك لولا أنه يعلم السِّرَّ وأخْفَى؟ ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ... }.