الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

وشكاية الأمر إلى الله لَوْن من العبادة لله، والبَثُّ: هي المصيبة التي لا قُدرة لأحد على كتمانها فينشرها، وإذا أصاب الأعلى الأدنى بما يراه الأدنى سوءً، يتفرع الأدنى إلى نوعين: نوع يتودد إلى الأقوى، ويتعطفه ويلين له، ويستغفره ويستميحه، ونوع آخر يتأبى على المُبْتَلى. ويتمرد، ولسان حاله يقول: " فليفعل ما يريد ". والحق تبارك وتعالى يقول في كتابه:فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } [الأنعام: 43]. فساعةَ يأتي البأْسُ ونتضرع إلى الله يكون البأس قد غسلنا من الذنوب ونسيان الذِّكْر وأعادنا إلى الله الذي لن يزيل البأس إلا هو. أما الذي يتمرد ويستعلي على الأحداث، فويل له من ذلك التمرد. والحق سبحانه حين يصيب إنساناً بمصيبة، فهو يلطف بِمَنْ يدعوه. وتساءَل بعضهم: ولماذا لم يَقُلْ يعقوب ما علَّمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم:ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّـآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } [البقرة: 156]. ونقول: إن هذا من النعم التي اختصَّ بها الحق سبحانه أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم وحين دخل بعضهم على عليّ بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه وأرضاه - وكان يعاني من وَعْكة، وكان يتأوَّه، فقالوا له: يا أبا الحسن أتتوجَّع؟ قال: أنا لا أشجع على الله. وهنا في الآية - التي نحن بصدد خواطرنا عنها - يعلن يعقوب عليه السلام أنه لا يشكو حُزْنه وهَمَّه إلا إلى الله، فهو القادر على كشف الضُّرِّ لأن يعقوب عليه السلام يعلم من الله ما لا يعلم أبناؤه أو أحفاده. فقد كان يشعر بوجدانه، وبما كان لديه من شكوك لحظة إبلاغهم له بحكاية الذئب المكذوبة أن يوسف ما زال حياً، وأن الرُّؤيا التي حكى يوسف عنها لأبيه، سوف يأذن الحق بتحقيقها. ويذكر الحق سبحانه ما جاء على لسان يعقوب فيقول: { يٰبَنِىَّ ٱذْهَبُواْ... }.