الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

ولا بُدَّ لنا هنا أن ننظر إلى الأخوة بنوعياتها فقد تكون الأخوة من ناحية الأبوين معاً وقد تكون من ناحية الأب دون الأم، أو من ناحية الأم دون الأب، وكان عدد أبناء يعقوب عليه السلام اثنا عشر: سبعة من واحدة وأربعة من اثنتين: زلفى وبلهه واثنين من راحيل هما: يوسف، وأخوه بنيامين. وتبدأ الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا.. } [يوسف: 8]. وحرف اللام الذي سبق اسم يوسف جاء للتوكيد، وكأنهم قالوا: والله إن أبانا يحب يوسف وأخاه أكثر من حُبِّه لنا. والتوكيد لا يأتي إلا بصدد إنكار. وهذا يدل على أنهم مختلفون في أمر يوسف عليه السلام فأحدهم يريد أن ينتقم من يوسف، وآخر يقترح تخفيف المسألة بإلقائه في الجب ثم انتهوا إلى أن يوسف أحبُّ إلى أبيهم منهم. وفي قولهم لَمْحة من إنصاف فقد أثبتوا حب أبيهم لهم ولكن قولهم به بعضٌ من غفلة البشر لأنهم كان يجب أن يلتمسوا سبب زيادة حُبِّ أبيهم ليوسف وأخيه. فيوسف وأخوه كانوا صِغَاراً وماتت أمهما ولم يَعُدْ لهم إلا الأب الذي أحسَّ بضرورة أن يَجتمع فيه تجاههما حنانُ الأب وحنانُ الأم ولأنهما صغارٌ نجد الأب يحنُو عليهما بما أودعه الله في قلبه من قدرة على الرعاية. وهذا أمر لا دَخْل ليعقوب فيه بل هي مسألة إلهية أودعها الله في القلوب بدون اختيار ويُودعها سبحانه حتى في قلوب الحيوانات. وقد شاء سبحانه أن يجعل الحنان على قدر الحاجة فالقطة - على سبيل المثال - إن اقتربَ أحد من صغارها المولودين حديثاً تهجم على هذا الذي اقترب من صغارها. ولذلك نجد العربي القديم قد أجاب على مَنْ سأله " أي أبنائك أحب إليك؟ " فقال: " الصغير حتى يكبر والغائب حتى يعود، والمريض حتى يشفى ". وهذه مسألة نراها في حياتنا اليومية، فنجد امرأة لها ولدان، واحد أكرمه الله بسعة الرزق ويقوم بكل أمورها واحتياجاتها والآخر يعيش على الكفاف أو على مساعدة أخيه له ونجد قلبها دائما مع الضعيف. ولذلك نقول: إن الحب مسألة عاطفية لا تخضع إلى التقنين ولا تكليف بها وحينما يتعرض القرآن لها فالحق سبحانه يوضح: أن الحب والبغض انفعالات طبيعية فأحبِبْ مَنْ شئتَ وأبغِضْ مَنْ شئتَ ولكن إياك أن تظلم الناس لمن أحببت أو تظلم مَنْ أبغضت. اقرأ قول الحق سبحانه:وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [المائدة: 8]. فأحبب مَنْ شئتَ، وأبغض مَنْ شئتَ، ولكن لا تظلم بسبب الحب أو البغض. وقد يقول قائل: ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3