الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

وهكذا دخلوا مع يوسف في نقاش، وبدأوا في الاستعطاف بقولهم: { إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً.. } [يوسف: 78]. ونلحظ أن كلمة " كبير " تُطلق إطلاقات متعددة، إنْ أردتَ الكِبَر في السنِّ تكون من " كَبرَ يَكْبَر " ، وإنْ أردتَ الكِبَرَ في المقام تقول: " كَبُرَ يَكبُر ". والحق سبحانه يقول:كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } [الكهف: 5]. والكِبَر واحد من معاني العظمة، أما الكِبَرُ في السِّنِّ فهو مختلف وهنا قالوا: { إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً.. } [يوسف: 78]. قد تكون ترقيقاً بالعزة، أو ترقيقاً بالضعف. أي: إن له أباً شيخاً كبيراً عظيماً في قومه وحين يُبلغه أن ابنه قد احتُجز من أجل سرقة، فهذا أمر مؤلم ولك أن تُقدِّر ذلك وأنت عزيز مصر ونرجو أن تحفظ للأب شرفه ومَجْده وعظمته، واسْتُرْ ذلك الأمر من أجل خاطر ومكانة والده. أو: أن يكون قولهم مقصوداً به، أن الأب شيخ مُهدَّم، لا يحتمل الصدمة، وخصوصاً أن له ابناً قد فُقِد. ثم يعرضون عَرْضاً آخر، فيقولون: { فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [يوسف: 78]. أي: أنهم سألوه أن يُتمِّمَ إحسانه عليهم، فقد أحسن استقبالهم وسبق أن أنزلهم منزلاً كريماً، وأعطاهم المَيْرة، ولم يأخذ بضائعهم ثمناً لها. ومَنْ يفعل ذلك لا يضِنُّ عليهم بأن يستجيب لرجائهم، بأن يأخذ واحداً منهم بدلاً من أخيهم الصغير. كل هذه ترقيقات منهم لقلبه، ولكن القاعدة هي ألاَّ يُؤاخذ بالذنب إلا صاحبه ولذلك لم يَفُتْ هذا الأمر على يوسف، فجاء الحق سبحانه بما يوضح ذلك: { قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ... }.