الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ }

أي: أن يوسف صار ظَرْفاً للأحداث، لأن " في " تدل على الظرفية، ومعنى الظرفية أن هناك شيئاً يُظْرف فيه شيء آخر، فكأن يوسف صار ظَرْفاً ستدور حوله الأحداث بالأشخاص المشاركين فيها. و " يوسف " اسم أعجمي لذلك فهو " ممنوع من الصرف " أي: ممنوع من التنوين فلا نقول: في يوسفٍ. و { يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } [يوسف: 7]. وهذا يعني أن ما حدث إنما يُلفِت لقدرة الله سبحانه فقد أُلقِيَ في الجُبِّ وأُنقِذ ليتربى في أرقى بيوت مصر. ونعلم أن كلمة آية تطلق على الأمر العجيب الملفت للنظر، وهي تَرِد بالقرآن بثلاثة معانٍ: آية كونية: مثل الشمس والقمر والليل والنهار، وتلك الآيات الكونية رصيد للنظر في الإيمان بواجب الوجود وهو الله سبحانه فساعة ترى الكون منتظماً بتلك الدقة المتناهية لا بُدَّ أن تفكر في ضرورة وجود خالق لهذا الكون. والآيات العجيبة الثانية هي المعجزات الخارقة للنواميس التي يأتي بها الرسل لتدل على صدق بلاغهم عن الله، مثل النار التي صارت بَرْداً وسلاماً على إبراهيم، ومثل الماء الذي انفلق وصار كالطود العظيم أمام عصا موسى. وهناك المعنى الثالث لكلمة آية، والمقصود بها آيات القرآن الكريم. وفي قول الحق سبحانه: { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } [يوسف: 7]. نستشف العبرة من كل ما حدث ليوسف الذي كَادَ له إخوته ليتخلصوا منه لكن كَيْدهم انقلب لصالح يوسف. وفي كل ذلك سَلْوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتثبيت فؤاده فلا يُعِير بالاً لاضطهاد قومه له، وتآمرهم عليه، ورغبتهم في نَفْيه إلى الشام، ومحاولتهم قَتْله، ومحاولتهم مُقاطعته، وقد صاروا من بعد ذلك يعيشون في ظلال كَنفِه. إذن: فلا تيأس يا محمد لأن الله ناصرك بإذنه وقدرته، ولا تستبطئ نصر الله، أنت ومَنْ معك، كما جاء في القرآن.أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214]. ويبين لنا الحق سبحانه ما حدث ليوسف بعد القهر الذي أصابه من إخوته، ويمر الوقت إلى أن تتحقق رؤيا الخير التي رآها يوسف عليه السلام. ويُقال: إن رؤيا يوسف تحققت في فترة زمنية تتراوح بين أربعين سنة وثمانين عاماً. ولذلك نجد رُؤْيَا الخير يطول أَمَدُ تصديقها ورُؤْيَا الشر تكون سريعة لأن من رحمة الله أن يجعل رؤيا الشر يقع واقعاً وينتهي، لأنها لو ظلَّتْ دون وقوع لأمد طويل لوقع الإنسان فريسةَ تخيُّل الشر بكُلِّ صوره. والشر لا يأتي إلا على صورة واحدة، ولكن الخير له صور متعددة فيجعلك الله مُتخيلاً لما سوف يأتيك من الخير بألوان وتآويل شتى.

السابقالتالي
2