الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

أي: كما آنسَك الله بهذه الرؤيا المُفْرحة المُنْبِئة بأنه سيكون لك شأن كبير بالنسبة لإخوتك وبالنسبة لأبيك، فلسوف يجتبيك ربك لا بأن يحفظك فقط ولكن بأن يجعل كيدهم سبباً لصالحك، ويُعلِّمك من تأويل الأحاديث ما يجعل أصحابَ الجاهِ والنفوذ يلتفتون إليك. ومعنى تأويل الشيء أي معرفة ما يؤول إليه الشيء، ونعلم أن الرُّؤى تأتي كطلاسم، ولها شَفرة رمزية لا يقوم بِحلِّها إلا مَنْ وهبه الله قدرة على ذلك فهي ليست عِلْماً له قواعد وأصول لأنها إلهامات من الله سبحانه وتعالى. وبعد ذلك تصير يا يوسف على خزائن الأرض حين يُوجد الجَدْبُ، ويعُمُّ المنطقة كلها، وتصبح عزيز مصر. ويتابع الحق سبحانه: { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ.. } [يوسف: 6]. فكلُّ ما تَمَتَّع به يوسف هو من نعم الدنيا، وتاج نعمة الدنيا أن الله اجتباه رسولاً. أو أن: { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ.. } [يوسف: 6]. بمعنى إلا تسلب منك النعمة أبداً ففي حياة يوسف منصبٌ مهم، هو منصب عزيز مصر، والمناصب من الأغيار التي يمكن أن تنزع. أو أن: { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ.. } [يوسف: 6]. بأن يصل نعيم دنياك بنعيم أُخْراك. ويتابع الحق سبحانه: { وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [يوسف: 6]. يُذكِّر الحق سبحانه يوسف عليه السلام بأن كيد إخوته له لا يجب أن يُحوِّله إلى عداوة لأن النِّعم ستتم أيضاً على هؤلاء الإخوة فهم آلُ يعقوب هم وأبناؤهم حَفَدة يعقوب، وسينالهم بعضٌ من عِزِّ يوسف وجاهه وماله، كما أتمَّها من قبل على إبراهيم الجد الأول ليوسف باتخاذه خليلا لله، وأتمَّ سبحانه نعمته على إسحاق بالنبوة. وهو سبحانه أعلمُ بمَنْ يستحق حمْل الرسالة، وهو الحكيم الذي لا يترك شيئاً للعبث فهو المُقدِّر لكل أمر بحيث يكون مُوافِقاً للصواب. ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ... }.