الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

وحين يُورِد القرآن خطاب أب لابن لا نجد قوله { يٰبُنَيَّ } وهو خطابُ تحنينٍ، ويدل على القرب من القلب، و " بُني " تصغير " ابن ". أما حين يأتي القرآن بحديث أب عن ابنه فهو يقول " ابني " مثل قول الحق سبحانه عن نوح يتحدث عن ابنه الذي اختار الكفر على الإيمان:إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي.. } [هود: 45]. وكلمة " يا بني " بما فيها من حنان وعطف ستفيدنا كثيراً فيما سوف يأتي من مواقف يوسف ومواقف أبيه منه. وقول يعقوب ليوسف " يا بني " يُفْهم منه أن يوسف عليه السلام ما زال صغيراً، فيعقوب هو الأصل، ويوسف هو الفرع، والأصل دائماً يمتلئ بالحنان على الفرع، وفي نفس الوقت نجد أيَّ أب يقول: مَنْ يأكل لقمتي عليه أن يسمع كلمتي. وقول الأب: يا بني، يفهم منه أن الابن ما زال صغيراً، ليست له ذاتية منفصلة عن الأب ليقرر بها ما هو المناسب، وما هو غير المناسب. وحين يفزع يوسف مما يُزعِجه أو يُسيء إليه أو أي أمر مُعْضَل فهو يلجأ إلى مَنْ يحبه وهو الأب لأن الأب هو - الأقدر في نظر الابن - على مواجهة الأمور الصعبة. وحين روى يوسف عليه السلام الرؤيا لأبيه قال يعقوب عليه السلام: { قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ.. } [يوسف: 5]. ونفهم من كلمة " رؤيا " أنها رؤيا منامية لأن الشمس والقمر والنجوم لا يسجدون لأحد، وهذا ما يوضح لنا دقة اللغة العربية، فكلمة واحدة هي " رأى " قد يختلف المعنى لها باختلاف ما رُؤى فرؤيتك وأنت يقظانُ يُقال عنها " رؤية " ورؤيتك وأنت نائم يُقال عنها " رؤيا ". والرؤية مصدر مُتفق عليه من الجميع: فأنت ترى ما يراه غيرك وأما " الرؤيا " فهي تأتي للنائم. وهكذا نجد الالتقاء في " رأى " والاختلاف في الحالة هل هي حالة النوم أو حالة اليقظة. وفي الإعراب كلاهما مؤنث لأن علامة التأنيث إما: " تاء " ، أو " ألف ممدودة " ، أو " ألف مقصورة ". وأخذت الرؤية الحقيقية التي تحدث في اليقظة " التاء " وهي عمدة التأنيث أما الرؤيا المنامية فقد أخذت ألف التأنيث. ولا يقدح في كلمة " رؤيا " أنها منامية إلا آية واحدة في القرآن حيث تحدث الحق سبحانه عن لحظة أن عُرِجَ به صلى الله عليه وسلم فقال:وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّؤيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ.. } [الإسراء: 60]. ولكن مَنْ يقولون: " إنها رؤيا منامية " لم يفقهوا المعنى وراء هذا القول فالمعنى هو: إن ما حدث شيء عجيب لا يحدث إلا في الأحلام، ولكنه حدث في الواقع بدليل أنه قال عنها: أنها " فتنة للناس ".

السابقالتالي
2 3