الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱلَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ }

وكان الذي نجا من السجينين يسمع مقالة الملك وردّ الملأ فاسترجع بذاكرته ما مَرَّ عليه في السجن، وكيف رأى الرُّؤيا، وكيف قام يوسف بتأويلها. وقوله: { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ.. } [يوسف: 45]. يعني: أنه أجهد عقله وذِهْنه وافتعل التذكُّر لأن فترة لا بأس بها من الزمن قد مَرَّتْ، وكلمة " أمة " تعني فترة من الزمن كما في قول الحق تبارك وتعالى:وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } [هود: 8]. و " الأمة " قد يُراد بها الجماعة من الناس، ويُراد بها أيضاً الرجل الجامع لكل صفات الخير، كما قال الحق سبحانه في وصف إبراهيم عليه السلام:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [النحل: 120]. أي: أن كل خصال الخير مجموعة في إبراهيم عليه وعلى نبينا السلام، وبعد أن افتعل ساقي الملك واجتهد ليتذكر ما حدث له منذ فترة هي بضع سنين أيام أنْ كان سجيناً ورأى رُؤيا منامية أوَّلَها له يوسف، قال الساقي للملأ وللملك عن تلك الرؤيا: { أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ } [يوسف: 45]. وبذلك استأذن ليذهب إلى مَنْ يُؤوِّل له رُؤيا الملك. وقوله: { فَأَرْسِلُونِ } [يوسف: 45]. يعني أن التأويل ليس من عنده بل هو يعرف مَنْ يستطيع تأويل الرُّؤى. ونلحظ أن القرآن لم يحمل على لسان هذا الرجل: إلى من سوف يذهب لأن ذلك معلوم بالنسبة له ولنا، نحن الذين نقرأ السورة. وانتقل القرآن من طلب الإرسال إلى لقاء يوسف عليه السلام فيقول الحق سبحانه ما جاء على لسان ساقي الملك: { يُوسُفُ أَيُّهَا... }.