الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }

وكلمة " النسوة " ، وكلمة " نساء " تدلُّ على الجماعة، لكن مفردَ كلٍّ منهما ساقط في اللغة، فمفرد " نسوة " امرأة ومفرد " نساء " أيضاً هو " امرأة ". ومن العجيب أن المفرد، وهو كلمة " امرأة " له مثنى هو " امرأتان " ، لكن في صيغة الجمع لا توجد " امراءات " ، وتوجد كلمة نسوة اسم لجماعة الإناث، واحدتها امرأة، وجمعها نساء. وقد قالت النسوة: { ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ.. } [يوسف: 30]. وما قُلْنَه هو الحق لكنهن لم يَقُلْنَ ذلك تعصباً للحق، أو تعصباً للفضيلة. وشاء سبحانه أن يدفع هذه المقالة عنهن، ففضح الهدف المختفي وراء هذا القول في الآية التالية حين قال:فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ.. } [يوسف: 31-32]. والمكر هو سَتْر شيء خلف شيء، وكأن الحق يُنبِّهنا إلى أن قول النسوة لم يكن غضبةً للحق ولا تعصباً للفضيلة، ولكنه الرغبة للنِّكاية بامرأة العزيز، وفَضْحاً للضلال الذي أقامت فيه امرأة العزيز. وأردْن - أيضاً - شيئاً آخر أن يُنزِلْنَ امرأة العزيز عن كبريائها، وينشرن فضيحتها، فَأتيْنَ بنقيضين لا يمكن أن يتعدى الموقف فيهما إلا خسيس المنهج. فهي امرأة العزيز، أي: أرفع شخصية نسائية في المجتمع، قد نزلت عن كبريائها كزوجة لرجل يُوصَفُ بأنه الغالب الذي لا يُغلب لأن كلمة " العزيز " مأخوذة من المعاني الحسية. فيُقال: " الأرض العَزَاز " أي: الأرض الصخرية التي يصعب المشي عليها، ولا يقدر أحد أنْ يطأها ومن هذا المعنى جاءت كلمة " العزيز ". فكيف بامرأة العزيز حين تصير مُضْغة في الأفواه لأنها راودتْ فتاها وخادمها عن نفسه وهو بالنسبة لها في أدنى منزلة، وتلك فضيحة مزرية مشينة. وقالت النسوة أيضاً: { قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً.. } [يوسف: 30] والحب منازل وأول هذه المنازل " الهوى " مثل: شقشقة النبات، ويُقال: " رأى شيئاً فهواه ". وقد ينتهي هذا الهَوَى بلحظة الرؤية، فإذا تعلَّق الإنسان بما رأى انتقل من الهوى إلى العَلاقة. وبعد ذلك يأتي الكلف أي: تكلَّف أن يصل إلى ما يطلبه من هذه العَلاقة. ثم ينتقل بعد ذلك إلى مرتبة فيها التقاء وهي العشق، ويحدث فيها تبادل للمشاعر، ويعلن كل طرف كَلَفه ولذلك يسمونه " عاشق ومعشوق ". ثم ينتقل إلى مرحلة اسمها " التدليه " أي: يكاد أن يفقد عقله.

السابقالتالي
2