الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

وبالنسبة للقرآن نجد الحق - سبحانه - يقول:نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ } [الشعراء: 193]. فنسب النزول مرة لجبريل كحامل للقرآن ليبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرة يقول:نُزِّلَ.. } [محمد: 2]. والنزول في هذه الحالة منسوب لله وجبريل والملائكة. أما قول الحق - سبحانه:أُنْزِلَ.. } [البقرة: 91]. فهو القول الذي يعني أن القرآن قد تعدى كونه مَكْنوناً في اللوح المحفوظ ليباشر مهمته في الوجود ببعث رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم. هذا هو معنى الإنزال للقرآن جملةً واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل من بعد ذلك نجوماً متفرقة ليعالج كل المسائل التي تعرَّض لها المسلمون. وهكذا يؤول الأمر إلى أن القرآن نزل أو نزل به الروح الأمين. والحق - سبحانه - يقول:وَبِٱلْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ.. } [الإسراء: 105]. أي: أن الحق - سبحانه - أنزله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم أنزله مفرقاً ليعالج الأحداث ويباشر مهمته في الوجود الواقعي. وفي هذه الآية يقول - سبحانه: { إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً.. } [يوسف: 2]. وفي الآية السابقة قال:تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ.. } [يوسف: 1]. فمرَّة يَصِفه بأنه قرآن بمعنى المقروء، ومرَّة يَصِفه بأنه كتاب لأنه مسطور، وهذه من معجزات التسمية. ونحن نعلم أن القرآن حين جُمِع ليكتب كان كاتب القرآن لا يكتب إلا ما يجده مكتوباً، ويشهد عليه اثنان من الحافظين. ونحن نعلم أن الصدور قد تختلف بالأهواء، أما السطور فمُثْبتة لا لَبْسَ فيها. وهو قرآن عربي لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيجاهر بالدعوة في أمة عربية، وكان لابد من وجود معجزة تدل على صدق بلاغه عن الله، وأن تكون مِمَّا نبغ فيه العرب لأن المعجزة مشروطة بالتحدي، ولا يمكن أن يتحداهم في أمر لا ريادة لهم فيه ولا لهم به صلة حتى لا يقولن أحد: نحن لم نتعلم هذا ولو تعلمناه لجئنا بأفضل منه. وكان العرب أهل بيان وأدب ونبوغ في الفصاحة والشعر، وكانوا يجتمعون في الأسواق، وتتفاخر كل قبيلة بشعرائها وخطبائها المُفوَّهين، وكانت المباريات الآدائية تُقَام، وكانت التحديات تجرى في هذا المجال، ويُنصَب لها الحكام. أي: أن الدُّرْبَة على اللغة كانت صناعة متواترة ومتواردة، محكوم عليها من الناس في الأسواق، فَهُم أمة بيان وبلاغة وفصاحة. لذلك شاء الحق - سبحانه - أن يكون القرآن معجزة من جنس ما نبغ فيه العرب، وهم أول قوم نزل فيهم القرآن، وحين يؤمن هؤلاء لن يكون التحدي بفصاحة الألفاظ ونسق الكلام، بل بالمبادىء التي تطغى على مبادىء الفرس والروم. وهي مبادىء قد نزلت في أمة مبتدِّية ليس لها قانون يجمعها، ولا وطن يضمهم يكون الولاء له، بل كل قبيلة لها قانون، وكلهم بَدْو يرحلون من مكان إلى مكان.

السابقالتالي
2