الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

ونلحظ أن هذه الآية جاءت في سورة يوسف أي: إنْ أردتَ قصة يوسف وإخوته ففي السورة كل القصة بمَراميها وأهدافها وعِظَتها، أو المهم في كل قصص الأنبياء. يقول الحق سبحانه:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ.. } [هود: 120]. ونعلم أن معنى القَصَص مأخوذ من قَصِّ الأثر وتتبُّعه بلا زيادة أو نقصان. ويقول الحق سبحانه هنا: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ.. } [يوسف: 111]. وفي أول السورة قال الحق:إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [يوسف: 43]. ونعرف أن مادة " العين " و " الباء " و " الراء " تفيد التعدية من جَليّ إلى خَفيّ. والعِبْرة في هذه القصة - قصة يوسف - وكذلك قصص القرآن كلها نأخذ منها عِبْرة من الجَليِّ فيها إلى الخَفيِّ الذي نواجهه فلا نفعل الأمور السيئة ونُقدِم على الأمور الطيبة. وحين نُقبل على العمل الطيّب الذي جاء في أيّ قصة قرآنية وحين نبتعد عن العمل السيء الذي جاء خَبرُه في القصة القرآنية بذلك نكون قد أحسنَّا الفهم عن تلك القصص. وعلى سبيل المثال: نحن نجد الظالم في القصَص القرآني وفي قصة يوسف تحديداً وهو ينتكس، فيأخذ الواحد مِنَّا العبرة، ويبني حياته على ألاّ يظلم أحداً. وحين يرى الإنسان منا المظلومَ وهو ينتصر فهو لا يحزن إنْ تعرَّض لظلم لأنه أخذ العبرة لما ينتظره من نصر بإذن الله. ونحن نقول: " عبر النهر " أي: انتقل من شاطئ إلى شاطئ. وكذلك قولنا " تعبر الرُّؤْيا " أي: تؤوّلها لأن الرُّؤْيا تأتي رمزية وتعبرها أي: تشرحها وتنقلها من خفيّ إلى جليّ وإيضاح المطلوب منها. ونَصِفُ الدَّمْعة بأنها " عَبْرة " والحزن المدفون في النفس البشرية تدل عليه الدَّمْعة. وهنا قال الحق سبحانه: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ.. } [يوسف: 111]. والعِبْرة قد تمرُّ، ولكن لا يلتفت إليها إلا العاقل الذي يُمحِّص الأشياء، أما الذي يمرُّ عليها مُرور الكرام فهو لا يستفيد منها. و " أولو الألباب " هم أصحاب العقول الراجحة، و " الألباب " جمع " لُبّ ". واللب: هو جوهر الشيء المطلوب والقِشْر موجود لصيانة اللُّبِّ، وسُمِّي العقل " لُبّاً " لأنه ينثرُ القشور بعيداً، ويعطينا جوهر الأشياء وخيرها. ويتابع الحق سبحانه: { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ.. } [يوسف: 111]. أي: أن ما جاء على لسانك يا محمد وأنزله الحق وَحْياً عليك ليس حديث كَذبٍ مُتعمَّد بل هو الحق الذي يطابق الكتب التي سبقتْه. ويُقال: " بين يديك " أي: سبقك فإذا كنت تسير في طابور فَمَنْ أمامك يُقال له " بين يديك " ، ومَنْ وراءك يُقال له " مَنْ خلفك ".

السابقالتالي
2 3