الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

وكلمة: { حَتَّىٰ } [يوسف: 110]. تدل على أن هناك غاية، وما دامتْ هناك غاية فلا بُدَّ أن بداية ما قد سبقتْها، ونقول: " أكلتُ السمكة حتى رأسها ". أي: أن البداية كانت أَكْل السمكة، والنهاية هي رأسها. والبداية التي تسبق: { ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ... } [يوسف: 110]. هي قوله الحق:وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ.. } [يوسف: 109]. وما دام الحقُّ سبحانه قد أرسلهم فهم قد ضَمِنوا النصر، ولكن النصر أبطأ فاستيأس الرسل، وكان هذا الإبطاء مقصوداً من الحق سبحانه لأنه يريد أن يُحمِّل المؤمنين مهمة هداية حركة الحياة في الأرض إلى أن تقوم الساعة، فيجب ألا يضطلع بها إلا المُخْتَبر اختباراً دقيقاً. ولا بُدَّ أن يمر الرسول - الأُسْوة لمَنْ معه - ومَنْ يتبعه من بعده بمحن كثيرة، ومَنْ صبر على المِحَن وخرج منها ناجحاً فهو أَهْلٌ لأن يحمل المهمة. وهو الحق سبحانه القائل:أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ.. } [البقرة: 214]. إذن: لا بُدَّ من اختبار يُمحِّص. ونحن في حركة حياتنا نُؤهِّل التلميذ دراسياً ليتقدم إلى شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، ثم نُؤهِّله لِنَيْل شهادة إتمام الدراسة الإعدادية ثم نؤهله لنيل شهادة إتمام الدراسة الثانوية، ثم يلتحق بالجامعة، ويتم اختباره سنوياً إلى أن يتخرج من الجامعة. وإنْ أراد استكمال دراسته لنيل الماجستير والدكتوراه، فهو يبذل المزيد من الجَهْد. وكل تلك الرحلة من أجل أن يذهب لتوليّ مسئولية العمل الذي يُسند إليه وهو جدير بها، فما بَالُنا بعملية بَعْث رسول إلى قوم ما؟ لا بُدَّ إذن من تمحيصه هو ومَنْ يتبعونه، وكي لا يبقى على العهد إلا المُوقِن تمام اليقين بأن ما يفوته من خير الدنيا سيجد خيراً أفضل منه عند الله في الآخرة. ولقائل أن يقول: وهل من المعقول أن يستيئس الرسل؟ نقول: فَلنفهم أولاً معنى " استيأس " وهناك فرق بين " يأس " و " استيأس " ، فـ " يأس " تعني قطع الأمل من شيء. و " استيأس " تعني: أنه يُلِحّ على قَطع الأمل. أي: أن الأمل لم ينقطع بعد. ومَنْ قطع الأمل هو مَنْ ليس له منفذ إلى الرجاء، ولا ينقطع أمل إنسان إلا إنْ كان مؤمناً بأسبابه المعزولة عن مُسبِّبه الأعلى. لكن إذا كان الله قد أعطى له الأسباب، ثم انتهت الأسباب، ولم تَصِلْ به إلى نتيجة، فالمؤمن بالله هو مَنْ يقول: أنا لا تُهمّني الأسباب لأن معي المُسبِّب. ولذلك يقول الحق سبحانه:وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }

السابقالتالي
2 3