الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ }

وهكذا نرى المصافي التي يمر بها البشر ليصلوا إلى الإيمان. المصفى الأول: قوله تعالى:وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103]. أي: أن الكثير من الناس لن يَصِلوا إلى الإيمان، حتى ولو حرص الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكونوا مؤمنين. وقلنا: إن مقابل " كثير " قد يكون " قليل " ، وقد يكون " كثير " ، وبعض المؤمنين قد يشوب إيمانهم شبهةٌ من الشرك، صحيح أنهم مؤمنون بالإله الواحد، ولكن إيمانهم ليس يقينياً، بل إيمان متذبذب، ويُشرِكون به غيره. والمصفى الثاني: قوله تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } [يوسف: 106]. ومثال هذا: كفار قريش الذين قال فيهم الحق سبحانه:وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ.. } [الزخرف: 87]. ويقول فيهم أيضاً:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ.. } [لقمان: 25]. ورغم قولهم هذا إلا أنهم جعلوا شفعاء لهم عند الله، وقالوا: إن الملائكة بنات الله، وهكذا جعلوا لله شركاء. ومعهم كل مَنْ ادعى أن لله ابناً من أهل الكتاب. وأيضاً مع هؤلاء يوجد بعض من المسلمين الذي يخصُّون قوماً أقوياء بالخضوع لهم خضوعاً لا يمكن أن يُسمَّى في العرف مودة لأنه تَقرُّب ممتلئ بالذلة لأنهم يعتقدون أن لهم تأثيراً في النفع والضر وفي هذا لون من الشرك. ويأتي الواحد من هؤلاء ليقول لِمَنْ يتقرب منه: أرجو أن تقضي لي الأمر الفلاني. ويرد صاحب النفوذ: اعتمد على الله، وإن شاء الله سيقضي الله لك حاجتك. لكن صاحب الطلب يتمادى في الذِّلة، ليقول: وأنا اعتمد عليك أيضاً، لتقضي لي هذه الحاجة. أو يرد صاحب النفوذ ويقول: أنا سوف افعل لك الشيء الفلاني والباقي على الله. وحين أسمع ذلك فأنا أتساءل: وماذا عن الذي ليس باقياً، أليس على الله أيضاً؟ وينثر الله حِكَماً في أشياء تمنَّاها أصحابها فَقُضِيتْ ثم تبين أن فيها شراً، وهناك أشياء تمناها أصحابها فلم تُقْضَ ثم تبين أن عدم قضائها كان فيه الخير كل الخير. نجد الأثر يقول:
وَاطلبُوا الأشياءَ بِعزَّةِ الأنفُسِ   فَإِنَّ الأُمورَ تَجْرِي بِمقَادِير
وربما منعك هذا فكرهته، وكان المنع لك خيراً من قضائه لك، فإن المنع عَيْن العطاء، ولذلك فعلى الإنسان أن يعرف دائماً أن الله هو الفاعل، وهو المسبب، وأن السبب شيء آخر. ودائماً أذكِّر بأننا حين نحجُّ أو نعتمر نسعى بين الصفا والمروة لنتذكر ما فعلتْه سيدتنا هاجر التي سَعَتْ بين الصفا والمروة لتطلب الماء لوليدها بعد استنفدت أسبابها ثم وجدت الماء تحت رِجْل وليدها إسماعيل. فقد أخذتْ هي بالأسباب، فجاء لها رَبُّ الأسباب بما سألت عنه. ولم يَأْتِ لها الحقُّ سبحانه بالماء في جهة الصفا أو المروة ليثبت لها القضية الأولى التي سألت عنها إبراهيم عليه السلام حين أنزلها في هذا المكان.

السابقالتالي
2 3