الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }

و " ذلك " إشارة إلى هذه القصة، والخطاب مُوجَّه إلى محمد صلى الله عليه وسلم أي: أنك يا محمد لم تَكُنْ معهم حين قالوا:لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا.. } [يوسف: 8]. فالحق سبحانه أخبرك بأنباء لم تكن حاضراً لأحداثها، والغيب - كما عَلِمنا من قبل - هو ما غاب عنك، ولم يَغِبْ عن غيرك، وهو غيب نسبيّ وهناك الغيب المُطْلق، وهو الذي يغيب عنك وعن أمثالك من البشر. والغيب كما نعلم له ثلاثة حواجز: الأول: هو حاجز الزمن الماضي الذي لم تشهده أو حاجز الزمن المستقبل الذي لم يَأْتِ بَعْد. والثاني: هو حاجز المكان. والثالث: هو حاجز الحاضر، بمعنى أن هناك أشياء تحدثُ في مكان أنت لا توجد فيه، فلا تعرف من أحداثه شيئاً. و { نُوحِيهِ إِلَيْكَ.. } [يوسف: 102]. أي نُعلِمك به بطَرْفٍ خَفيّ، حين اجتمعوا ليتفقوا، إما أن يقتلوا يوسف، أو يُلْقوه في غيابة الجب. وكشف لك الحق سبحانه حجاب الماضي في أمر لم يُعلمه لرسول الله ولم يشهد صلى الله عليه وسلم ما دار بين الإخوة مباشرة، أو سماعاً من مُعلِّم، ولم يقرأ عنه لأنه صلى الله عليه وسلم أُمِيّ لم يتعلم القراءة أو الكتابة. وسبحانه يقول عن رسوله صلى الله عليه وسلم:وَمَا كُنتَ تَتْلُواْ مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ } [العنكبوت: 48]. وهم بشهادتهم يعلمون كل حركة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث إقامة وتِرْحالاً والتقاءً بأيِّ أحد. فلو عَلموا أنه قرأ كتاباً لكانت لهم حُجَّة، وحتى الأمر الذي غابتْ عنهم فِطْنتهم فيه وقالوا:إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.. } [النحل: 103]. فرد عليهم الحق سبحانه:لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [النحل: 103]. وأبطل الحق سبحانه هذه الحجة، وقد قَصَّ الحق سبحانه على رسوله الكثير من أنباء الغيب، وسبق أن قلنا الكثير عن: " ما كُنَّات القرآن " ، مثل قوله تعالى:وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [آل عمران: 44]. وقوله الحق:وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } [القصص: 44]. فكأن مصدر علم الرسول بكل ذلك هو من إخبار الله له. وقد استقبل أهل الكهف ما طلبوا أن يعرفوه من قصة يوسف باللدد والجحود - وهم قد طلبوا مطلبهم هذا بتأسيس من اليهود - وهو صلى الله عليه وسلم جاء لهم بقصة يوسف في مكان واحد، ودفعة واحدة، وفي سورة واحدة، لا في لقطات متعددة منثورة كأغلب قصص القرآن. وقد جاء لهم بها كاملة لأنهم لم يطلبوا جزئية منها وإنما سألوه عن القصة بتمامها، وتوقعوا أن يعزف عن ذلك، لكنه لم يعزف، بل جاء لهم بما طلبوه.

السابقالتالي
2