الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ }

ونلحظ أن الحق سبحانه قد أورد في هذه السورة: أسلوبين منطوقين أحدهما بالواو، والآخر بالفاء. الأول: { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا.. } [هود: 94]، في قصة اثنين آخرين من الرسل. الثاني:فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا.. } [هود: 66]. في قصة اثنين من الرسل. وقصة شعيب هي إحدى القصتين اللتين جاء فيهما { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } ولم يأت بـ " الفاء " لأنها - كما نعلم - تقتضي التعقيب بسرعة، وبدون مسافة زمنية وتسمى في اللغة " فاء التعقيب " ، مثل قول الحق سبحانه:ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [عبس: 21]. أما " ثم " فتأتي لتعقيب مختلف وهو التعقيب بعد مسافة زمنية مثل قول الحق سبحانه:ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ } [عبس: 22]. وقد جاءت " الفاء " مرة في قصة قوم لوط لأن الحق سبحانه قد حدد الموعد الذي ينزل فيه العذاب، وقال:إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } [هود: 81]. فكان لا بد أن تسبق " الفاء " هذا الحديث عن عذابهم، فقال:فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } [هود: 82]. أما هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، فقد قال الحق سبحانه: { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ.. } [هود: 94]. ولم يذكر وعداً ولم يحدد موعد العذاب. والحق سبحانه يقول: { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا.. } [هود: 94]. وكل أمر يقتضي آمراً ويقتضي مأموراً ويقتضي مأموراً به. والآمر هنا هو الله سبحانه وهو القادر على إنفاذ ما يأمر به، ولا يجرؤ مأمور ما على مخالفة ما يأمر به الحق سبحانه فالكون كله يأتمر بأمر خالقه. إذن: فحين يخبرنا الحق سبحانه وتعالى أن العذاب قد جاء لقوم فمعنى ذلك أن الأمر قد صدر ولم يتخلف العذاب عن المجيء لأن التخلف إنما ينشأ من مجازفة أمر لمأمور قد لا يطيعه، ولا يجرؤ العذاب على المخالفة لأنه مُسخَّر، لا اختيار له. والقائل هنا هو الله سبحانه صاحب الأمر الكوني والأمر التشريعي فإذا قال الحق سبحانه حكماً من الأحكام وسجله في القرآن فتيقن من أنه حادث لا محالة لأن القضية الكونية هي من الحق سبحانه وتعالى، ولا تتخلف أو تختلف مع مشيئته سبحانه، والحكم التشريعي يسعد به مَنْ يُطِّبقه ويشقى من يخالفه. والحق سبحانه يعطينا مثالاً لهذا في قصة أم موسى.. يقول جَلَّ شأنه:وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ.. } [القصص: 7]. فمنطق البشر يقول: كيف نقول لامرأة: إذا خِفْتِ على ابنك ألقيه في البحر؟ كيف ننجيه من موت مظنون إلى موت محقق؟ هذا وإن كان مخالفاً لسنن العادة إلا أن أم موسى سارعت لتنفيذ أمر الله سبحانه لأن أوامر الله بالإلهام للمقربين، لا يأتي لها معارض في الذهن.

السابقالتالي
2 3 4 5