الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ }

أي: أيأمرك إلهك ودينك أن نترك ما يعبد آباؤنا؟ ولقائل أن يقول: ولماذا قالوا: " أصلاتك "؟ نقول: لأن الإسلام بُنِيَ على خمس: أولها شهادة ألاّ إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويكفي أن يقولها الإنسان مرة واحدة في حياته كلها، ثم إقامة الصلاة، وبعد ذلك إيتاء الزكاة، ثم صوم رمضان، ثم حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. وأنت إن نظرت إلى هذه الأركان فقد تجد إنساناً لا يملك ما يزكِّى به أو ما يحج به، وقد يكون مريضاً فلا صوم عليه، وهو ينطق بالشهادة مرة واحدة في حياته، ولا يبقى في أركان الدين إلا الصلاة ولذلك يقال عنها: " عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين " لأنها الركن الوحيد الذي يعلن العبد فيه الولاء لربه كل يوم خمس مرات، دواماً في الولاء لله. ولا تسقط الصلاة أبداً عن أي إنسان مهما كانت ظروفه، فإن عجز عن الحركة فله أن يصلي برموش عينيه، وإن عجز عن تحريك رموش عينيه فَلْيُجْرِ الصلاة على قلبه، حتى في حالة الحرب والمسايفة فالإنسان المسلم يصلي صلاة الخوف. إذن: فالصلاة هي الركن الذي لا يسقط أبداً، ويُكرَّر في اليوم خمس مرات، وقد أعطاها الحق سبحانه في التشريع ما يناسبها من الأهمية. وكل تكليفات الإسلام جاءت بوحي من الله سبحانه وتعالى، فجبريل عليه السلام يحمل الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويبلغنا الرسول صلى الله عليه وسلم إياه، وتميزت الصلاة وحدها بأن الحق سبحانه قد كلَّف بها النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء وجوده في الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى، وذلك لفرط أهميتها. ومثال ذلك من حياتنا - ولله المثل الأعلى - نجد الرئيس في أي موقع من مواقع العمل وهو يستقبل البريد اليومي المتعلق بالعمل، ويحول كل خطاب إلى الموظف المختص ليدرسه أو ليقترح بخصوصه اقتراحاً، وإذا وجد الرئيس أمراً مهمّاً قادماً من أعلى المستويات فهو يستدعي الموظف المختص ويرتب معه الإجراءات والترتيبات الواجب اتخاذها وإذا كان هذا يحدث في الأمور البشرية، فما بالنا بالتكليف من الله سبحانه وتعالى للرسول؟ وقد شاء الحق سبحانه أن يكون تكليف الصلاة - لأهميته - هو التكليف الوحيد الذي نال تلك المنزلة لأنها الركن الذي يتكرر خمس مرات في اليوم الواحد ولا مناص منه. فأنت قد لا تنطق الشهادة إلا مرة واحدة لكنك تقولها في كل صلاة. وفي الزكاة تضحِّي ببعض المال وأنت لم تولد ومعك المال إلا إن كنت قد ورثت وأنت في بطن أمك ولا بد أن تزكِّي من مالك والمال لا يأتي إلا من العمل والعمل فرع من الوقت وأنت في الصلاة تضحِّي بالوقت نفسه والوقت أوسع من دائرة الزكاة.

السابقالتالي
2 3