الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ إِنِّيۤ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ }

و " مدين " هو اسم ابن إبراهيم عليه السلام، ولم يكن هذا الابن موجوداً وقت بعثة شعيب، لكن القبيلة التي تناسلت منه سُمِّيت باسمه، وكذلك القرية التي أقامت فيها القبيلة سميت باسمه، فإن قلت إن شعيباً أرسل لقبيلة مدين، فهذا قول سليم، وإن قلت إنه أرسل لقرية مدين، فهذا قول سليم أيضاً لأن القرية لا بد لها من سكان. والحق سبحانه يقول على لسان إخوة يوسف عليه السلام:وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا.. } [يوسف: 82]. والمقصود " أسأل أهل القرية ". إذن: فمرة يطلب الاسم على المكان، ومرة يطلق المكان ويراد به المكين. وقد بدأ شعيب رسالته مع قومه من حيث بدأ كل الرسل بالدعوة إلى قمة التدين، وهو أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ولا إله غيره، وهذا هو القدر المشترك في كل الرسالات. والحق سبحانه يقول:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [الشورى: 13]. إذن: فقمة الدين هي قضية العقيدة الإيمانية، وهي عبادة الله تعالى وحده ولا إله غيره، لأن الحق سبحانه حين يوجه الأوامر التكليفية " افعل " و " لا تفعل " فالله سبحانه لا يوجهها إلا لمن آمن به إلهاً واحداً، أما الذي لا يؤمن به، فالله سبحانه لا يوجه إليه أي حكم. ولذلك تجد حيثية كل حكم تكليفي في القرآن مُصَدَّراً بقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [البقرة: 178]. سواء أكان الأمر صياماً، أم قصاصاً، ففي كل تكليف يُصدَّر بهذا القول، لا بد أن يأتي المعنى: يا من آمنت بي إلهاً قادراً حكيماً، اسمع مني التكليف. ولذلك أقول دائماً: إن علة كل تكليف هي الإيمان بالمكلِّف، ولا داعي للبحث عن علة أخرى. فمثلاً حين يُقَال: إن علة الوضوء النظافة، نقول: وإن لم يوجد ماء، فنحن نلمس التراب أو الحجر ثم نمسح وجوهنا في التيمم. إذن: فالمقصد هو أن نتهيأ للصلاة بأي شكل يحقق مقصود العبادة وهو الطاعة للخالق سبحانه وتعالى. وإياك أن تؤخر تنفيذ الحكم إلى أن تبرره لأن مبرره هو صدوره عن الله سبحانه وتعالى. وكذلك كل شيء يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن نتبعه، ولا نبحث عن علة له، وإلا لو كنا نؤجل الأحكام إلى أن تثبت تبريراتها العلمية مثل فساد لحم الخنزير بما يحمله من أمراض، ومثل قدرة الخمر على إهلاك المخ وتدمير خلاياه، فضلاً عن تدمير خلايا الكبد، فنحن لو كنا قد أجلنا تلك الأحكام، فماذا كان الموقف؟ لقد طبَّق المسلمون هذه الأحكام فور نزولها لإيمانهم بالمنهج وحبهم في القرب من الله، ثم أثبتت الأيام صدق الله تعالى في تكليفه.

السابقالتالي
2 3 4