الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

وكلمة " مسوَّمة " أي: مُعلَّمة، وكأن كل حجر قد تم توجيهه إلى صاحبه، فهذا الحجر يذهب إلى فلان، وذاك إلى فلان، مثل الصواريخ الموجهة إلى البلاد، ولكن الدقة في هذه الحجارة أن كل حجر يعرف على من بالتحديد سوف ينزل بالعذاب، وقد جعلها الحق سبحانه لتعذيب المكين، أي: الإنسان، ولا تدمر البلاد. وهي مُرتَّبة لأن الحق سبحانه قال:.. سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } [هود: 82]. ووردت كلمة سجيل أيضاً في قول الحق سبحانه:.. طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } [الفيل: 3-4]. ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله: {.. وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ } [هود: 83]. والظالمون هنا مقصود بهم الكافرون برسالة الحق - سبحانه وتعالى - التي تتابعت في الموكب الرسالي وخاتمها هو محمد صلى الله عليه وسلم. ونحن نعلم أن القصص القرآني قد نزل تسلية وثباتاً بيقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكرة بالأسوة:وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ.. } [هود: 120]. وتحكي القصص المعارك التي قامت بين كل رسول مُؤيَّد بمعجزة من الله، وبين المنكرين له والكافرين به، وقد انتهت كل هذه المعارك بنصرة الرسول على الكافرين، إلا أن الرسل السابقين لم يُكلّفوا أن يقاتلوا من أجل الإيمان، بل كان عليهم أن يعلنوا الحجة الإيمانية فقط، وأن يبلغوا المنهج، فإن عصى القوم فالسماء هي التي تتدخل لتأديب المخالفين. والحق سبحانه يقول:أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [الفجر: 6-14]. ولكن الأمر اختلف بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، لأن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الذي تقوم عليه الساعة، وقومه مأمونون على البلاغ عن الله تعالى خلافة للرسول صلى الله عليه وسلم. وعلى كل واحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعلم حكماً من أحكام الله تعالى أن يبلغه لأنه قائم مقام الرسول صلى الله عليه وسلم. والحق سبحانه يقول:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.. } [البقرة: 143]. إذن: فكل واحد من أمته صلى الله عليه وسلم هو امتداد لرسالة الإسلام، وبدلاً من أن السماء كانت تتدخل لتأديب الكافرين، جعل الله سبحانه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يقفوا بالقوة أمام الكافرين، لا لفرض الإيمان لأن الإيمان لا يُفرض، ولا يُكره عليه لأنك قد تُكره إنساناً في الأمور الحسية، لكنك لا تستطيع أن تملك قلبه، والحق سبحانه يريد الإيمان الغيبي الذي يملك القلوب.

السابقالتالي
2 3 4