الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

وساعة تجد { لَئِنْ } فافهم اللام الأولى التي بعد " و " إنما جاءت لتدل على أن الكلام فيه قسم مؤكد، وإن كان محذوفاً، واكتفى باللام عن القسم، وتقديره: " والله لئن ". والقسم يأتي لتأكيد المقسم عليه بالمقسم به، وتأكيد المقسم عليه إنما يأتي لأن هناك من يشك فيه. فأنت لا تُقسم لإنسان تلقاه وتقول له: والله لقد كنت عند فلان بالأمس. إذن: فالقسم يأتي لشك طرأ عند السامع، وأنت لا تقسم ابتداء. ويأتي القسم على مقدار مراتب الشك، وتأكيداً بأدواته. والقرآن الكريم يقول هنا: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ.. } [هود: 8]. فالواو هنا هي واو القسم، وهنا أيضاً شرط، والقسم يحتاج لجواب، والشرط أيضاً يحتاج إلى جواب. وإذا اجتمع الشرط والقسم فبلاغة الأسلوب تكتفي بجواب واحد، مثلما نقول: " والله إن فعلت كذا لأفعلن معك كذا ". وهكذا يُغْنِي جواب القسم عن جواب الشرط، والمتقدم سواء أكان قسماً أو شرطاً هو الذي يغني جوابه عن الآخر. مثلما نقول: " والله إن جاء فلان لأكرمته " ، فالقسم هنا متقدم، وأغنى جوابه عن جواب الشرط. وإن قلت: إن جاءك فلان والله لتكرمه، فهنا الشرط هو المتقدم. والاثنان متحدان، لكن غاية ما هناك أن القسم تأكيد والشرط تأسيس، فإذا تقدم ذو خبر على الاثنين - على الشرط وعلى القسم - نأتي بجواب الشرط فوراً، مثلما نقول: " زيد والله إن جاءك أكرمه " لأن الشرط كما قلنا تأسيس، والقسم تأكيد، ويرجح هنا الشرط، لأن التأسيس أولى من التأكيد. وهنا يقول الحق سبحانه: { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ.. } [هود: 8]. والجواب هنا للقسم، وهو يغني عن جواب الشرط. أي: أن العذاب يُؤخَّر. وقد أوعد الحق - سبحانه - الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم بأن يعذبهم، وكان العذاب للأمم السابقة هو عذاب استئصال، منهم من أرسل الله سبحانه عليه عاصفة، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أغرقه، ومنهم من خسف به الأرض. فكأن مهمة الرسل السابقين أن يبلغوا الدعوة، ثم تتلوى السماء تأديب الكافرين بالرسالات. ولكن الحق سبحانه وتعالى قد شاء أن يفضِّل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم كلها، وأن تعذِّب الكافرين في المعارك. وحين يتوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعذاب، فللعذاب ميلاد، وقد يُؤخَّر ليرى المحيطون بالكافرين الضلال والفساد، فإذا ما وقع عذاب الله سبحانه على هؤلاء الكافرين، فلن يحزن عليهم أحد. وهكذا أراد الله سبحانه الإمهال والإملاء ليكون لهما معنى واضح في الحياة، والإملاء للظالم لتزداد مظالمه زيادة تجعل الأمة التي يعيش فيها تكره ظلمه، فإذا وقع عليه عذاب، لا يعطف عليه أحد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6