الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ }

وقول الحق سبحانه: { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ.. } [هود: 78]. أي: يسرعون إليه في تدافق، والإنسان إذا لم يكن قد مرن على الشر وله به دُربة، يكون متردداً خائفاً، أما من له دربة فهو يقبل على الشر بجرأة ونشاط. وكلمة " يهرعون " هي من الألفاظ العجيبة في اللغة العربية، وألفاظ اللغة تجد فيها فعلاً له فاعل، كقولنا: " يضربُ زيدٌ عَمْراً " أي: أن الضارب هو " زيد " والمضروب هو " عمرو " ، ونقول: " يُضْرَبُ عمرو " أي: أننا بنينا الفعل للمجهول، وسُمِّي عمرو " نائب فاعل ". أما في الفعل " يُهْرَعُ " فلا نجد أحداً يقول: " يُهرع " إلا ويكون بعدها فاعل وليس نائب فاعل، مثلها مثل الفعل " جُنَّ " فهل هناك من يأتي لنفسه بالجنون، أم أن الجنون هو الذي جاءه؟ لا أحد يعرف سبب الجنون ولذلك بُنيت الكلمة للمجهول، ولكن ما يأتي بعدها يكون فاعلاً. وهذا من إعجاز البيان القرآني. وكذلك نقول: " زُكِمَ فلان " فمن الذي أصابه بالزكام؟ لا نعرف سبباً ظاهراً للزكام. إذن: فإذا جُهِلَ الفاعل فنحن نبني الفعل للمجهول، ولكن ما يأتي بعده يكون فاعلاً. وقول تعالى: { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ.. } [هود: 78]. يبيِّن أنهم أقبلوا باندفاع، كأنهم يعشقون ما يذهبون إليه لأن كلاً منهم له دربة على ذلك الفعل المشين، أو أن كلاً منهم ذاهب إلى ما يحب دون تَهيُّب، باندفاع من نفسه ودَفْع من غيره، مثلما تقول: " سنوزع تمويناً بالمجان " هنا تجد الناس يتدافعون، كل منهم من تلقاء نفسه، وغيره يدفعه ليرتد إلى الوراء. وقوم لوط كانوا على دُرْبة بتلك الفاحشة. يقول الحق سبحانه عنهم: { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ.. } [هود: 78]. أي: أن هذه المسألة عندهم كانت محبوبة، ولهم دربة عليها وخفيفة على قلوبهم، ولا حياء يمنعهم عنها. فالحياء يعني أن بعض الناس يعمل السيئة ويخشى الآخرون أن يفعلوها، لكن إذا ما كانوا كلهم يحبون تلك السيئة، فلن يخجل أحد من الآخر. وماذا يكون موقف لوط - عليه السلام - في هذا اليوم العصيب؟ لقد أقبلوا عليه بسرعة، وفي كوكبة واندفاع، وهو يعلم نياتهم ويعلم سوابقهم، وفكَّر لوط - عليه السلام - في أن يصرفهم انصرافاً من جنس اندفاعهم. يقول الحق سبحانه: { قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ.. } [هود: 78]. وقد قال ذلك لأن المرأة مخلوقة لذلك، ومن الممكن أن يتزوجوا من بناته. وكان العُرْف في أيام لوط عليه السلام لا يمنع أن يزوِّج المؤمن ابنته لغير المؤمن؟ وقد زَوَّجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إحدى بناته لعُتبة بن أبي لهب، وأخرى لأبي العاص بن الربيع؟ قبل تحريم الحق سبحانه تزويج المؤمنة لغير المؤمن.

السابقالتالي
2