الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ }

والعجب - إذن - إنما يكون من قانون بشري، وإنما القادر الأعلى سبحانه له طلاقة القدرة في أن يخرق الناموس.. ومن خرق النواميس جاءت المعجزات لتثبت صدق البلاغ عن الله تعالى، فالمعجزات أمر خارق للعادة الكونية. والقصة التي حدثت لإبراهيم عليه السلام وامرأته تكررت في قصة زكريا عليه السلام، والحق سبحانه هو الذي أعطى مريم عليها السلام بشارة التذكير لزكريا عليه السلام حين سألها:أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا.. } [آل عمران: 37]. فقالت مريم:.. هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 37]. إذن: فالحساب يكون بين الخلق وبعضهم، لا بين الخالق - سبحانه - وخَلْقه. ولذلك يأتي قول الحق عز وجل:هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ.. } [آل عمران: 38]. وما دام زكريا عليه السلام قد تذكَّر بقول مريم:.. إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [آل عمران: 37]. فمن حقه أن يدعو:قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً.. } [آل عمران: 38]. فأوحى له الله سبحانه وتعالى:يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } [مريم: 7]. أي: أن الحق سبحانه لم يرزقه الابن فقط، بل وسماه له أيضاً باسمٍ لم يسبقه إليه أحد. وتسمية الله تعالى غير تسمية البشر، فإن كان بعض البشر قد سموا من بعد ذلك بعض أبنائهم باسم " يحيى " فقد فعلوا ذلك من باب الفأل الحسن في أن يعيش الابن. لكن الحق سبحانه حين يسمي اسماً، فقد سماه " يحيى " ليحيا بالفعل، ويبلغ سن الرشد، ثم لا يأتي الموت لذلك قُتِل يحيى وصار شهيداً، والشهيد حيٌّ عند ربه لا يأتي إليه موتٌ أبداً. وهذا عكس تسمية البشر لأن الإنسان قد يسمي ابنه " سعيد " ويعيش الابن حياته في منتهى الشقاء. والشاعر يقول عن الإنسان الذي سمى ابنه " يحيى ":
وَسَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَا فَلَمْ يَكُنْ   لِرَدِّ قَضَاءِ الله فيهِ سَبِيلُ
وحين نرجع إلى أن مريم عليها السلام هي التي نبهت إلى قضية الرزق من الله، نجد أن زكريا عليه السلام قد دعا، وذكر أنه كبير السن وأن زوجه عاقر. ولا بد أن زكريا عليه السلام يعرف أن الحق سبحانه وتعالى يعلم كل شيء أزلاً، ولذلك شاء الله سبحانه أن يطمئن زكريا عليه السلام بأنه سيرزقه الولد ويسميه، ويأتي قول الحق سبحانه وتعالى:كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ.. } [مريم: 9]. وما دام الحق سبحانه وتعالى هو الذي قرَّر، فلا رادَّ لما أراده، ولذلك يقول سبحانه:.. هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [مريم: 9]. وهكذا توالت الأحداث بعد أن نبهت مريم زكريا عليه السلام إلى قضية خَرْق النواميس التي تعرضت هي لها بعد ذلك، حينما تمثَّل لها المَلك بشراً، وبشَّرها بغلام اسمه المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام.

السابقالتالي
2 3