الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }

وكلمة " رسل " جمع " رسول " ، والرسول هو المرسَل من جهة إلى جهة، وأي إنسان تبعثه إلى جهة ما اسمه رسول، ولكن المعنى الشرعي للرسول: أن يكون مُرسَلاً من الله. ويقول الحق سبحانه:ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ.. } [الحج: 75]. واصطفاء الملائكة كرسل لتيسير التلقِّي عن الخالق سبحانه لأن القوة التي تتلقى عن الخالق سبحانه وتعالى لا بد أن تكون قوة عالية، والإنسان منا لا يقدر على أن يتلقى مباشرة عن الحق سبحانه. لذلك يأتي لنا الله جَلَّ عُلاَه بالرسل، فيصطفي من الملائكة المخصوصين القادرين على التلقي لينزلوا على المصطفى من البشر القادر على حمل الرسالة. وهكذا نعلم أن الملائكة ليست كلها قادرة على التلقي من الله تعالى، ولا كل البشر بقادرين على التلقي عن الله أو عن الملائكة. وهذه الحلقات في الإبلاغ أرادها الحق سبحانه، لتؤهل للضعيف أن يأخذ من الأقوى والبشر يلجأون إلى ذلك في حياتهم. وسبق أن ضربت المثل، بأننا أثناء الليل نطفىء نور المنزل، لكننا نترك ضوءاً خافتاً يوضح لنا ملامح البيت، فإن قمنا ليلاً من النوم لا نصطدم بمتاع البيت، فيتحطم ما نصطدم به إن كان أضعف منا، أو نُصَاب نحن إن اصطدمنا بما هو أقوى منا. والنور الضعيف يتيح لنا أن نرى مكان مفتاح الضوء القوي. وكذلك يفعل الله سبحانه وتعالى، فيأتي بمصطفى من الملائكة، يتلقى عن الحق سبحانه ويبلغ المَلَكُ من هؤلاء الرسولَ المصطفى من البشر. والحق سبحانه هو القائل:وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ.. } [الشورى: 51]. وهنا يقول الحق سبحانه: { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ.. } [هود: 69]. والبشرى هي الإخبار بشيء يسرُّ قبل أوان وقوعه، وهي عكس الإنذار الذي يعني الإخبار بشيء محزن قبل أوانه. وقبل أن يوضح الرسل لإبراهيم - عليه السلام - البشارة التي جاءوا من أجلها، يعلمنا الحق سبحانه المقدمات اللازمة للدخول إلى الأماكن، فمن أدب الدخول إلى أي مكان أن نسلِّم على أهل هذا المكان، والحق سبحانه القائل:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا.. } [النور: 27]. ولذلك يأتي الحق سبحانه هنا بما قالته الملائكة من قبل إبلاغ البشرى: { قَالُواْ سَلاَماً.. } [هود: 69]. وجاء سبحانه بردِّ إبراهيم عليه السلام: { قَالَ سَلاَمٌ.. } [هود: 69]. ونحن نلحظ أن السلام جاء على ألسنتهم بالنصب، والرد بالسلام جاء بالرفع، وقولهم: { سَلاَماً } دل على فعل يوضح التجدد، والرد جاء بكلمة { سَلاَمٌ } بالرفع ليدل على الثبات والإصرار. والحق سبحانه هو القائل:

السابقالتالي
2 3 4