الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

ومادة " غَنِيَ ".. " غِنىً " ، أو " غَنَاءً " كلها متساوية لأن الغَنَاء هو الوجود وجود شيء يُغَنِي عن شيء، فالغِنَى هو وجود مال يغنيك عن غيرك، والغناء هو ما نسمعه من المُغَنِّين، والأغنية التي يعجب الإنسان من كلماتها ولحنها، فهو يقيم معها إقامة تطرد ما سواها مما سمع من الكلام على كثرة ما سمع أو قرأ، والغَناء هو للإقامة. والحق سبحانه يقول:حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ.. } [يونس: 24]. أي: كأنها لم توجد من قبل. وهنا يقول الحق سبحانه: { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ.. } [هود: 68]. أي: لم يقيموا فيها، لأنها صارت حصيداً. ثم يقول الحق سبحانه في نفس الآية: { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفرُواْ رَبَّهُمْ.. } [هود: 68]، وهذه هي حيثية العذاب الذي نزل بهم. وعادة ما تتعدى كلمة " كفر " بالباء، ويقال: كفروا بربهم، ولكن الحق سبحانه يقول هنا: { أَلاَ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفرُواْ رَبَّهُمْ.. } [هود: 68]. والفارق كبير بين المعنيين، فمعنى { كَفرُواْ رَبَّهُمْ } أي: ستروا وجوده، فلا وجود له، ولكن معنى " كفروا بربهم " هو اعتراف بالله الموجود، لكنهم لم يؤمنوا به. وقول الحق سبحانه: { كَفرُواْ رَبَّهُمْ } يرد على الملاحدة الذين لا يقرون بوجود الله، لأن ذنب إنكار وجود الله ليس بعده ذنب، ولا يوجد ما هو أكثر منه في الذنوب. لذلك يقول الحق سبحانه: {.. أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } [هود: 68]. أي: أنهم يستحقون ما وقع عليهم من إهلاك وطرد من رحمة الله، ولن يعطف عليهم أحد لضخامة ذنبهم. ويأتي الحق سبحانه في الآية التالية بقصة جديدة من قصص الأنبياء، وهي جزء من قصة أبي الأنبياء إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يقول سبحانه: { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ... }.