الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ }

وكان قوم صالح قد طلبوا آية، فقالوا له: إن كنت نبيّاً فأخرج لنا ناقة من تلك الصخرة، وأشاروا إلى صخرة ما، وهم قوم كانوا نابغين في نحت بيوتهم في الجبال. ومن يَزُرْ المنطقة الواقعة بين الشام والمدينة، يمكنه أن يشاهد مدائن صالح، وهي منحوتة في الجبال. وقد قال فيهم الحق سبحانه:وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } [الشعراء: 149]. هم - إذن - قد حددوا الآية، وهي خروج ناقة من صخرة أشاروا إليها، فخرجت الناقة وهي حامل. وبعد أن وُجدت الناقة على وفق ما طلبوها لم يطيقوا أن يعلنوا التصديق، وقد قال لهم صالح عليه السلام: { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ.. } [هود: 64]. وساعة تسمع شيئاً مضافاً إلى الله تعالى، فاعلم أن له عظمة بعظمة المضاف إليه. مثلما نقول: " بيت الله " ، وهذا القول إن أُطلق فالمقصود به الكعبة المشرفة، وإن حددنا موقعاً وقلنا عنه: " بيت الله " فنحن نبني عليه مسجداً، وتكون أرضه قد حُكرت لتكون مُصَلّى، ولا يُزاوَل فيها أي عمل آخر. هكذا تكون الكعبة هي بيت الله باختيار الله تعالى، وتكون هناك مساجد أخرى هي بيوت لله باختيار خَلْق الله. ولذلك فبيت الله - باختيار الله - هو قبلة لبيوت الله باختيار خلق الله. إذن: فإن أضيف شيء لله تعالى، فهو يأخذ عظمة الحق سبحانه وتعالى، وقد قال لهم صالح: { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ.. } [هود: 64] وهي ليست ناقة زيد أو ناقة عمرو. ولم يلتفت قوم صالح إلى ما قاله صالح عليه السلام، ولم يلحظوا أن الشيء المنسوب لله تعالى له عظمة من المضاف إليه. ومثال ذلك: " ابن أبي لهب، وكان قد تزوج ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحين اشتد عناد أبي لهب للرسول صلى الله عليه وسلم، قال أبو لهب لابنه: طلق بنت محمد، فطلقها، وفعل فعلاً يدل على الازدراء، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه ". فقال أبو لهب: إني لأتوجس شرّاً من دعوة محمد. ثم سافر ابن أبي لهب مع بعض قومه في رحلة، وكانوا إذا ناموا طلب أبو لهب مكاناً في وسط رحال الركب كله خوفاً على ابنه من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بأسد يقفز من الرحال ويأكل الولد " ، فهنا نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الله فقال: " أكلك كلب من كلاب الله " فكان كلب الله أسداً. وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يوضح لهم صالح عليه السلام: هذه الناقة هي الآية التي طلبتموها وقد جاءت من الصخر.

السابقالتالي
2