الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }

ونحن نلحظ أن الحق سبحانه يبيِّن لنا هنا أنه أرسل إلى ثمود واحداً منهم هو صالح عليه السلام. وجاء الحق سبحانه بلفظ { أَخَاهُمْ } ليبين العلاقة التي بين صالح - عليه السلام - وقومه، فهو قد نشأ بينهم، وعرفوه وخبروه، فإذا ما جاءهم بدعوة - وقد لمسوا صدقه - فلا بد أن يؤمنوا بما جاء به من منهج. وناداهم صالح عليه السلام: { يٰقَوْمِ } ، وهي من القيام، يعني: يا من تقومون للأمور. والذي يقوم على الأمر عادة هم الرجال لأن أمر النساء مستور - دائماً - في طي الرجال، فليس كل حكم من أحكام الدين يأتي فيه ذكر المرأة، بل نجد كثيراً من الأحكام تنزل للرجال، والنساء مطويات على الستر في ظل الرجال، والرجل يشقى ويكدح، والمرأة تدير حياة السُكْنى وتربية الأولاد. ونحن نجد من النساء ومن الرجال من يتراضون عند الزواج على ألا تخرج المرأة للعمل. إن للمرأة حق العمل إن احتاجت ولم تجد من يعولها، ولكن إن وجدت من يقوم عليها، فلماذا لا تلتفت إلى عمل لا يقل أهمية عن عمل الرجل، وهو رعاية الأسرة؟ وكذلك يجد من يقوم باسم الحرية بالهجوم على الحجاب، ونقول لمن يفعل ذلك: إذا كنت لم تنتقد التهتك في الملابس، ووَصَفْتَهُ بأنه " حرية " ، فلماذا تتدخل في أمر الحجاب، ولا تعتبره " حرية " أيضاً. ونعود إلى الآية الكريمة التي نحن بصدد خواطرنا عنها { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ.. } [هود: 61] والعبادة تقتضي تلقي أوامر الإله المعبود بـ " افعل " و " لا تفعل " في كل حركة من حركات الحياة. فكان أول شيء طلبه صالح من قومه ثمود { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وأمر عبادة الله وحده مطلوب من كل أحد، ولا يسع أحداً مخالفته. { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ.. } [هود: 61]. تقرير واقع لا تستطيعون تغييره، فليس لكم إله آخر غير الله، مهما حاولتم ادعاء آلهة أخرى. ويقول الحق سبحانه: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا.. } [هود: 61]. والإنشاء هو الإيجاد ابتداء من غير واسطة شيء، ويقال: أنشأ، أي: أوجد وجوداً ابتداءً من غير الاستعانة بشيء آخر. لذلك لا نقول لمن اخترع: إنه " أنشأ " لأنه استعان بأشياء كثيرة ليصل إلى اختراعه فقد يكون مستعيناً بمادة أخذها من الجبال، وبخبرة تجارب صنعها من سبقوه، ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الذي ينشىء من عدم. والوجود من العدم قسمان: قسم أوجدته باستعانة بموجود، وقسم أوجدته من عدم محض، وهذا الأخير هو الإنشاء ولا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى. والحق سبحانه جلَّت مشيئته في الإنشاء، فهو ينشىء الإنسان من التقاء الزوج والزوجة، وإن أرجعت هذا الإنشاء إلى البداية الأولى في آدم عليه السلام، فستجد أن الحق سبحانه وتعالى قد خلقه من نفس مادة الأرض، والأرض مخلوق من مخلوقات الله.

السابقالتالي
2 3