الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }

وهم هنا ينكرون أن هوداً قد أتاهم بِبَيِّنة أو مُعجزةٍ. والبيِّنة - كما نعلم - هي الأمارة الدالة على صدق الرسول. وصحيح أن هوداً هنا لم يذكر معجزته وتناسوا أن جوهر أي معجزة هو التحدي فمعجزة نوح عليه السلام هي الطوفان، ومعجزة إبراهيم عليه السلام أن النار صارت برداً وسلاماً عليه حين ألقوه فيها. ونحن نلحظ أن المعجزة العامة لكل رسول يمثلها قول نوح عليه السلام:.. يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } [يونس: 71]. أي: إن كنتم أهلاً للتحدي، فها أنا ذا أمامكم أحارب الفساد، وأنتم أهل سيطرة وقوة وجبروت وطغيان. وأحْكِموا كيدكم لكنكم لن تستطيعوا قتل المنهج الرباني لأن أحداً لن يستطيعَ إطفاء نور الله في يد رسول من رسله أو أن يخلِّصوا الدنيا منه بقتله.. ما حدث هذا أبداً. إذن: فالبيِّنة التي جاء بها هود عليه السلام أنه وقف أمامهم ودعاهم إلى ترك الكفر وهو تحدي القادرين عليه لأنهم أهل طغيان وأهل بطش ومع ذلك لم يقدروا عليه مثلما لم يقدر كفار قريش على رسولنا صلى الله عليه وسلم. ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء ومعه المعجزة الجامعة الشاملة وهي القرآن الكريم وسيظل القرآن معجزة إلى أن تقوم الساعة. ونعلم أن غالبية الرسل - عليهم جميعاً السلام - قد جاءوا بمعجزات حسية كونية انتهى أمدها بوقوعها، ولولا أن القرآن يخبرنا بها ما صدَّقناها، مثلها مثل عود الثقاب يشتعل مرة ثم ينطفىء. فمثلاً شفى عيسى - عليه السلام - الأكمه والأبرص - بإذن ربه - فمَنْ رآه آمن به، ومَنْ لم يَرَه قد لا يؤمن، وكذلك موسى - عليه السلام - ضرب البحر بالعصا فانفلق أمامه ومن رآه آمن به، وانتهت تلك المعجزات لكن القرآن الكريم باقٍ إلى أن تقوم الساعة. ويستطيع أي واحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قبل قيام الساعة أن يقول: محمد رسول الله ومعجزته القرآن لأن محمداً صلى الله عليه وسلم جاء رسولاً عامّا ولا رسول من بعده لذلك كان لا بد أن تكون معجزته من الجنس الباقي ومع ذلك قالوا له:وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً } [الإسراء: 90-92]. وكل ما طلبوه مسائل حسية لذلك يأتي الرد:أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ.. }

السابقالتالي
2