الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }

وهكذا نعلم أن الاستغفار هو إقرار بالتقصير وارتكاب الذنوب، فنقول: يارب اغفر لنا. وساعة تطلب المغفرة من الله تعالى، فهذا إعلان منك بالإيمان، واعتراف بأن تكليف الحق لك هو تكليف حق. وما دام الإنسان قد طلب من الله تعالى أن يغفر له الذي فات من ذنوب، فعليه ألا يرتكب ذنوباً جديدة، وبعد التوبة على العبد أن يحرص على تجنب المعاصي. وعلى الإنسان أن يتذكّر أن ما به من نعمة فمن الله، وأن الكائنات المسخرة هي مسخرة بأمر الله تعالى فلا تنسيك رتابة الحياة عن مسببها الواهب لكل النعم. والحق سبحانه وتعالى حين يرسل رسولاً، فأول ما ينزل به الرسول إلى الأمة هو أن يصحِّح العقيدة في قمتها، ويدعوهم إلى الإيمان بإله واحد يتلقَّون عنه " افعل " و " لا تفعل ". وهنا يكون الكلام من هود عليه السلام إلى قومه " قوم عاد " ، والدعوة إلى الإيمان بإله واحد وعبادته، والأخذ بمنهجه لا يمكن أن يقتصر على الطقوس فقط من الشهادة بوحدانية الله تعالى، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج. ولكن عبادة الله تعالى هي أن تؤدِّي الشعائر والعبادات، وتتقن كل عمل في ضوء منهج الله، فلا تعزل الدين عن حركة الحياة. والذين يخافون من دخول الإسلام في حركة الحياة، يريدون منَّا أن نقصر الدين على الطقوس، ونقول لهم: إن الإسلام حينما دخل في حركة الحياة غزا الدنيا كلها، وحارب حضارتين عريقتين حضارة الفرس في الشرق، وحضارة الرومان في الغرب. وهؤلاء كانوا أمماً لها حضارات قديمة وقوية، وثقافات وقوانين، ومع ذلك جاء قوم من البدو الأمِّيين يقود عقيدتهم رجلٌ أمِّيٌّ أرسله الله سبحانه وتعالى فيطيح بكل هؤلاء نظماً وثقافات وارتقاءات بمستوى الحياة إلى مستوى طموح العقول. يريد هؤلاء - إذن - أن يقوقعوا الإسلام في الأركان الخمسة فقط ليعزلوه عن حركة الحياة. ونقول لهم: لا، لا يمكنكم أن تقصروا العبادات على الأركان الخمسة فقط لأن العبادة معناها أن يوجد عابد لمعبود حقٍّ، وأن يطيع العابد أوامر المعبود وتتمثَّل أوامر المعبود في " افعل " و " لا تفعل " وما لم يَردْ فيه " افعل " و " لا تفعل " فهو مباح إن شئت فعلته وإن شئت لم تفعله وبفعله أو عدم فعله لا يفسد الكون. إذن: فالعبادة هي كل أمر صادر من الله تعالى فلا تعزلوها في الطقوس لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغنا وأوضح لنا أن أركان الإسلام الخمس هي التي بني عليها الإسلام وليست هي كل الإسلام. إذن: فالإسلام بناء يقوم على أركان لذلك لا يمكن أن نحصر الإسلام في أركانه فقط فالإسلام هو كل حركة في الحياة، ولا بد أن تنتظم حركات البشر تبعاً لمنهج الله، لتنتظم الحياة كما انتظم الكون من حولنا.

السابقالتالي
2 3