الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

وكأن هوداً عليه السلام يقول لهم: ما الذي يشقُّ عليكم فيما آمركم به وأدعوكم إليه، إنني أقدِّم لكم هذا البلاغ من الله تعالى، ولا أسألكم عليه أجراً، فليس من المعقول أن أنقلكم مما ألفتم، ثم آخذ منكم مالاً مقابل ذلك، ولا يمكن أن أجمع عليكم مشقة تَرْك ما تَعوَّدْتُم عليه وكذلك أجر تلك الدعوة. وما دُمْتُ لن آخذ منكم أجراً، إذن: فلا مشقة أكلِّفكم بها، كما أنني في غِنًى عن ذلك الأجر لأن أجري على من أرسلني. {.. إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [هود: 51]. أي: أنَّ أجري على مَنْ خَلَقني مُعَدّا لهذه الرسالة لأن الفطرة تعني التكوين الأساسي للإنسان. والحق سبحانه قد أعدَّ هوداً عليه السلام ليكون رسولاً، ونحن نعلم - أيضاً أن الأجر يكون عادة مقابلاً للمنفعة. وسبق أن ضربنا المثل بمن يشتري بيتاً، فهو يدفع ثمن البيت لصاحبه، وتُسمَّى هذه العملية بيعاً وشراءً. أما إذا استأجر الإنسان بيتاً فهو يدفع إيجاراً مقابل انتفاعه بالسكن فيه. وقول هود عليه السلام: { لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.. } [هود: 51]. يفيد أنه كان من الواجب أن يدفعوا أجراً كبيراً مقابل منفعتهم بما يدعوهم إليه لأن الأجر الذي تدفعونه في المستأجرات العامة لكم إنما يكون مقابلاً لمنافع موقوتة، لكن ما يقدمه لهم هود عليه السلام هو منفعة غير موقوتة! ولذلك ترك هود عليه السلام الأجر لمن يقدر عليه، وهو الله سبحانه وتعالى. فهو القادر على كل شيء. وقد أوضحنا من قبل أن كل مواكب الرسل جاءت بهذه العبارة: { لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً.. } [هود: 51]. إلا إبراهيم وموسى عليهما السلام فسيدنا إبراهيم لم يَقُلْها بسبب أبيه، وسيدنا موسى لم يقلها لأن فرعون قال له:أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً.. } [الشعراء: 18]. إذن: كان يجب على قوم هود أن يعقلوا الفائدة الجَمَّة، وهي المنهج الرِّسالي الذي جاء به هود عليه السلام. ثم يقول الحق سبحانه ما جاء على لسان هود عليه السلام مخاطباً قومه: { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ... }.