الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }

ومجيء " إلا " هنا ليس للاستثناء، ولكنها اسم بمعنى " غير " أي: لن يؤمن من قومك غير الذي آمن. ولهذا نظير في قمة العقائد حين قال الحق سبحانه:لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا.. } [الأنبياء: 22]. و " إلا " هنا أيضاً بمعنى " غير " ، ولو كانت " إلا " بمعنى الاستثناء لعنى ذلك أن الله سبحانه - معاذ الله - سيكون ضمن آلهة آخرين، لذلك لا يصلح هنا أن تكون " إلا " للاستثناء، بل هي بمعنى " غير " ، وتفيد معنى الوحدانية لله عَزَّ وجَلَّ وتَفرُّده بالألوهية. والآية التي نتناولها بخواطرنا تؤكد أنه لا يوجد غير من آمن بنوح - عليه السلام - من قومه، سوف يؤمن فقد ختم الله المسألة. وهذا يعطينا تبريراً لاجتراء نوح - عليه السلام - على الدعاء على الذين لم يؤمنوا من قومه بقوله:.. رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } [نوح: 26-27]. وكان تبرير ذلك أنه عليه السلام قد دعاهم إلى الإيمان زماناً طويلاً فلم يستجيبوا، وأوحى له الله تعالى أنهم لن يؤمنوا، وقال له سبحانه: {.. فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [هود: 36]. والابتئاس هو الحزن المحبط، وهم قد كفروا وليس بعد الكفر ذنب. ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا... }.