الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }

وهكذا يبيِّن الحق سبحانه أن على العبد أن يستغفر من ذنوبه السابقة التي وقع فيها، وأن يتوب من الآن، وأن يرجع إلى منهج الله تعالى، لينال الفضل من الحق سبحانه. المطلوب - إذن - من العبد أن يستغفر الله تعالى، وأن يتوب إليه. هذا هو مطلوب الله من العاصي لأن درء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة، وحين يعجل العبد بالتوبة إلى الله تعالى فهو يعلم أن ذنباً قد وقع وتحقق منه، وعليه ألا يؤجل التوبة إلى زمنٍ قادم لأنه لا يعلم إن كان سيبقى حياً أم لا. ولذلك يقول الحق سبحانه: { وَأَنِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى.. } [هود: 3]. والحق سبحانه يُجمل قضية اتباع منهجه في قوله تعالى:.. فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } [طه: 123]. وقال في موضع آخر:مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً.. } [النحل: 97]. فالحياة الطيبة في الدنيا وعدم الضلال والشقاء متحققان لمن اتبع منهج الله تعالى. وظن بعض العلماء أن هذا القول يناقض في ظاهره قول النبي صلى الله عليه وسلم بأن " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " و " إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل ". وقال بعض العلماء: فكيف نقول: { يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً.. } [هود: 3]. هنا نقول: ما معنى المتاع؟ المتاع: هو ما تستمتع به وتستقبله بسرور وانبساط. ويعلم المؤمن أن كل مصيبة في الدنيا إنما يجزيه الله عليها حسن الجزاء، ويستقبل هذا المؤمن قضاء الله تعالى بنفس راضية لأن ما يصيبه قد كتبه الله عليه، وسوف يوافيه بما هو خير منه. وهناك بعض من المؤمنين قد يطلبون زيادة الابتلاء. إذن: فالمؤمن كل أمره خير وإياك أن تنظر إلى من أصابته الحياة بأية مصيبة على أنه مصاب حقاً لأن المصاب حقاً هو من حُرِم من الثواب. ونحن نجد في القرآن قصة العبد الصالح الذي قتل غلاماً كان أبواه مؤمنين، فخشي العبد الصالح أن يرهقهما طغياناً وكفراً، فهذا الولد كان فتنة، ولعله كان سيدفع أبويه إلى كل محرم، ويأتي لهما بالشقاء. إذن: فالمؤمن الحق هو الذي يستحضر ثواب المصيبة لحظة وقوعها. ومنَّا من قرأ قصة المؤمن الصالح الذي سار في الطريق من المدينة إلى دمشق، فأصيبت رِجْله بجرح وتلوث هذا الجرح، وامتلأ بالصديد مما يقال عنه في الاصطلاح الحديث " غرغرينة " وقرر الأطباء أن تُقطع رجله، وحاولوا أن يعطوه " مُرَقِّداً " أي: مادة تُخدِّره، وتغيب به عن الوعي ليتحمل ألم بتر الساق، فرفض العبد الصالح وقال: إني لا أحب أن أغفل عن ربي طرفة عين.

السابقالتالي
2 3