الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ }

إذن: فقد أحكمت آيات الكتاب وفصِّلت لغاية هي: ألا نعبد إلا الله. والعبادة هي طاعة العابد للمعبود فيما أمر، وفيما نهى. وهكذا نجد أن العبادة تقتضي وجود معبود له أمر وله نهي، والمعبود الذي لا أمر له ولا نهي لا يستحق العبادة، فهل مَنْ عَبَدَ الصنم تلقَّى من أمراً أو نهياً؟ وهل مَنْ عَبَدَ الشمس تلقَّى منها أمراً أو نهياً؟ إذن: فكلمة العبادة لكل ما هو غير الله هي عبادة باطلة لأن مثل تلك المعبودات لا أمر لها ولا نهي، وفوق ذلك لا جزاء عندها على العمل الموافق لها أو المخالف لها. والعبادة بدون منهج " افعل " و " لا تفعل " لا وجود لها، وعبادة لا جزاء عليها ليست عبادة. وهنا يجب أن نلحظ أن قول الحق سبحانه: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ.. } [هود: 2]. غير قوله سبحانه:ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [المائدة: 72]. ولو أن الرسل تأتي الناس وهم غير ملتفتين إلى قوة يعبدونها ويقدسونها لكان على الرسل أن يقولوا للناس:ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ.. } [الأعراف: 59]. ولكن هنا يقول الحق سبحانه: { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ.. } [هود: 2]. فكأنه سبحانه يواجه قوماً لهم عبادة متوجهة إلى غير من يستحق العبادة فيريد سبحانه أولاً أن يُنهي هذه المسألة، ثم يثبت العبادة لله. إذن: فهنا نفي وإثبات، مثل قولنا: " أشهد ألا إله إلا الله " ، هنا ننفي أولاً أن هناك إلهاً غير الله، ونثبت الألوهية لله سبحانه. وأنت لا تشهد هذه الشهادة إلا إذا وُجِد قوم يشهدون أن هناك إلهاً غير الله تعالى، ولو كانوا يشهدون بألوهية الإله الواحد الأحد سبحانه لكان الذهن خالياً من ضرورة أن نقول هذه الشهادة. ولكن قول الحق سبحانه { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ.. } [هود: 2]. معناه النفي أولاً للباطل، وإذا نُفِي الباطل لا بد أن يأتي إثبات الحق، حتى يكون كل شيء قائماً على أساس سليم. ولذلك يقال: " درء المفسدة مقدَّم دائماً على جلب المنفعة " فالبداية ألا تعبد الأصنام، ثم وجِّه العبادة إلى الله سبحانه. وما دامت العبادة هي طاعة الأمر، وطاعة النهي، فهي - إذن - تشمل كل ما ورد فيه أمر، وكل ما ورد فيه نهي. وإنْ نظرت إلى الأوامر والنواهي لوجدتها تستوعب كل أقضية الحياة من قمة الشهادة بأن لا إله إلا الله، إلى إماطة الأذى عن الطريق. وكل حركة تتطلبها الحياة لإبقاء الصالح على صلاحه أو زيادة الصالح ليكون أصلح، فهذه عبادة. إذن: فالإسلام لا يعرف ما يقال عنه " أعمال دنيئة " ، و " أعمال شريفة " ولكنه يعرف أن هناك عاملاً دنيئاً وعاملاً شريفاً.

السابقالتالي
2 3 4