الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

وساعة ترى التنوين في قوله الحق { وَكُـلاًّ } فاعلمْ أن المقصود هو قصة كل رسول جاء بها الحق - سبحانه - في القرآن الكريم. وحين يتكلم الحق - سبحانه وتعالى - عن فعل قد أحدثه فلنا أنْ ننظر: هل هذا الفعل مأخوذ من صفة له - سبحانه - أم مأخوذ من اسم موجود؟ فيحقّ لنا أن نأخذ الاسم ونأخذ الفعل مثل قوله - تعالى:خَلَقَكُمْ.. } [النحل: 70]. نعلم منه أنه - سبحانه - خالق، ولكن إنْ جاء فعل ليس له أصل في أسماء الله الحسنى، فإياك أنْ تشتقَّ من الفعل اسماً لله. ومثال ذلك قوله - سبحانه: { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ.. } [هود: 120]. والذي يقصُّ هنا هو الله - سبحانه - لكن لا أحد في إمكانه أن يقول: إن الله قصَّاص، مثلما لا يحق لأحد أن يقول: إن الله ماكر، رغم أن الله - سبحانه - قد قال:وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30]. وكذلك لا يصح لأحد أن يقول: الله المخادع، رغم أن الحق - سبحانه قد قال:إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ.. } [النساء: 142]. وهكذا نتعلم أدب الحديث عن الله المتصف بكل صفات الكمال والجلال وأن نكتفي بقول: إن مثل هذا الفعل جاء للمشاكلة ما دام ليس له وجود ضمن أسماء الله الحسنى. وهنا يقول الحق - سبحانه: { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ.. } [هود: 120]. و " أنباء " جمع " نبأ " ، وهو الخبر العظيم الذي له أهمية، والذي يختلف به الحال عند العلم به، وأخبار الرسل - عليهم السلام - تتناثر لقَطاتٍ مختلفة عَبْرَ سور القرآن الكريم، موضحة ما جاء به كل رسول معالجاً الداء الذي عانى منه قومه، وكذلك ما عاناه كل رسول من عَنَت القوم المبعوث لهم، وجاء ذكر تلك الأنباء في القرآن لتثبيت فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الرسول سيصادف في الدعوة المتاعب والصعاب. وقد ذكر القرآن بعضاً من تلك المواقف، يقول الحق - سبحانه:وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ.. } [البقرة: 214]. ويقول الحق - سبحانه - مصوِّراً حال المؤمنين:إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } [الأحزاب: 10]. ومثل هذه المواقف تقتضي تثبيت الفؤاد بمعنى تسكينه على منطق اليقين الإيماني بربٍّ أرسله رسولاً ليبلِّغ منهجاً، وما كان الله سبحانه ليرسل رسولاً ليبلِّغ منهجاً ثم يُسلمه لأعدائه. فإذا ما ذكر له أخبار الرسل والصعاب التي تعرضوا لها تهون عليه المصاعب التي يتعرض لها، ويثبت فؤاده. و " الفؤاد " هو ما نقول عنه: " القلب " ، وهو وعاء العقائد، بمعنى أن المخ يستقبل من الحواس - وسائل الإدراكات من عين ترى، ومن أذن تسمع، ومن أنف يشُم، ومن فَمٍ يستطعم، ومن كفٍّ تلمس - فتتولد المعلومات التي يصنفها المخ، ويرتبها كقضايا عقلية.

السابقالتالي
2 3 4