الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }

وساعة تقرأ أو تسمع ما كان يتطرق إلى ذهنك: ما كان ينبغي. ومثال ذلك: هو قولنا: " ما كان يصح لفلان أن يفعل كذا ". وقولنا هذا يعني أن فلاناً قد فعل أمراً لا ينبغي أن يصدر منه. وهناك فرق بين نفي الوجود ونفي انبغاء الوجود. والحق سبحانه يقول:وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ.. } [يس: 69]. وهذا لا يعني أن طبيعة الرسول صلى الله عليه وسلم جامدة، ولا يستطيع - معاذ الله - أن يتذوق المعاني الجميلة لأنه صلى الله عليه وسلم جُبل على الرحمة وقد قال فيه الحق سبحانه:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ.. } [آل عمران: 159]. ولهذا نفهم قوله الحق:وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ.. } [يس: 69]. أي: أن الحق سبحانه لم يشأ له ان يكون شاعراً. وهكذا نفهم أن هناك فرقاً بين " نفي الوجود " وبين " نفي انبغاء الوجود ". والحق سبحانه يقول هنا: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ.. } [هود: 117]. أي: لا يتأتى، ويستحيل أن يهلك الله القرى بظلم لأن مراد الظالم أن يأخذ حق الغير لينتفع به ولا يوجد عند الناس ما يزيد الله شيئاً لأنه سبحانه واهب كل شيء لذلك فالظلم غير وارد على الإطلاق في العلاقة بين الخالق سبحانه وبين البشر. وحين يورد الحق سبحانه كلمة " القرى " - وهي أماكن السكن - فلنعلم أن المراد هو " المكين " ، مثل قول الحق سبحانه:وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ.. } [الأعراف: 163]. وقوله الحق أيضاً:وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ ٱلَّتِي كُنَّا فِيهَا.. } [يوسف: 82]. والحق سبحانه في مثل هاتين الآيتين وكذلك الآية التي نتناولها الآن بهذه الخواطر إنما يسأل عن المكين. والله سبحانه يقول هنا: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ.. } [هود: 117]. أي: أنه مُنزَّه عن أن يهلكهم بمجاوزة حَدٍّ، لكن له أن يهلكهم بعدل لأن العدل ميزان، فإن كان الوزن ناقصاً كان الخسران، ومن العدل العقاب، وإن كان الوزن مستوفياً كان الثواب. وفي مجالنا البشري لحظة أن نأخذ الظالم بالعقوبة فنحن نتعبه فعلاً لكننا نريح كل المظلومين وهذه هي العدالة فعلاً. ومن خطأ التقنينات الوضعية البشرية هو ذلك التراخي في إنفاذ الحقوق في التقاضي فقد تحدث الجريمة اليوم ولا يصدر الحكم بعقاب المجرم إلا بعد عشر سنوات، واتساع المسافة بين ارتكاب الجريمة وبين توقيع العقوبة إنما هو واحد من أخطاء التقنينات الوضعية ففي هذا تراخٍ في إنفاذ حقوق التقاضي لأن اتساع المسافة بين ارتكاب الجريمة وبين توقيع العقوبة إنما يضعف الإحساس ببشاعة الجريمة.

السابقالتالي
2 3