الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ }

وهذا أمر بالخير يوجهه الله سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم. ونحن نلحظ في هذه الآيات من سورة هود أنها تحمل أوامر ونواهي الأوامر بالخير دائماً والنواهي عن الشر دائماً. ونلحظ أن الحق سبحانه قال:فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ.. } [هود: 112]. ثم وَجَّه النهي للأمة كلها:وَلاَ تَطْغَوْاْ.. } [هود: 112] ولم يقل: " فاستقم ولا تطغى " لأن الأمر بالخير يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته معه وفي النهي عن الشر يكون الخطاب موجهاً إلى الأمة، وفي هذا تأكيد لرفعة مكانة النبي صلى الله عليه وسلم. ونرى نفس الأمر حين يوجه الحق سبحانه الحديث إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه وتعالى:وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ.. } [هود: 113]. ولم يقل: " ولا تركن إلى الذين ظلموا ". وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأمته: { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ.. } [هود: 114]. والإقامة تعني: أداء المطلوب على الوجه الأكمل، مثل إقامة البنيان وأن تجعله مؤدياً للغرض المطلوب منه. ويقال: " أقام الشيء " أي: جعله قائماً على الأمر الذي يؤدي به مهمته. وقول الحق سبحانه: { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ.. } [هود: 114]. أي: نهايته من ناحية، ونهايته من الناحية الأخرى لأن طرف الشيء هو نهايته. وتتحدد نهاية الطرفين من منطقة وسط الشيء، فالوسط هو الفاصل بين الطرفين فما على يمين الوسط يعد طرفاً وما على يسار الوسط يعد طرفاً آخر وكل جزء بعد الوسط طرف. وعادةً ما يعد الوسط هو نقطة المنتصف تماماً، وما على يمينها يقسم إلى عشرة أجزاء، وما على يسارها يقسم إلى عشرة أجزاء أخرى، وكل قسم بين تلك الأجزاء التي على اليمين و التي على اليسار يعد طرفاً. وقول الحق سبحانه: { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ.. } [هود: 114]. يقتضي أن تعرف أن النهار عندنا إنما نتعرف عليه من بواكير الفجر الصادق، وهذا هو أول طرف نقيم فيه صلاة الفجر، ثم يأتي الظهر فإن وقع الظهر قبل الزوال حسبناه من منطقة ما قبل الوسط، وإن كان بعد الزوال حسبناه من منطقة ما بعد الوسط. وبعد الظهر هناك العصر، وهو طرف آخر. وقول الحق سبحانه: { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ.. } [هود: 114]. يقتضي منا أن نفهم أن كلمة { زُلَفاً } هي جمع زلفة، وهي مأخوذة من: أزلفه، إذا قرَّبه. والجمع أقله ثلاثة ونحن نعلم أن لنا في الليل صلاة المغرب، وصلاة العشاء، ولذلك نجد الإمام أبا حنيفة يعتبر الوتر واجباً، فقال: إن صلاة العشاء فرض، وصلاة الوتر واجب وهناك فرق بين الفرض والواجب.

السابقالتالي
2 3 4 5